ابني آدم عليه السلام، وقد اختلفا في أمر من الأمور، فقدّم كل منهما قربانا إلى الله ليحكم بينهما فيه، فتقبّل الله قربان هابيل دون قابيل، فلم يرض قابيل بذلك وهدد أخاه بالقتل، ولم يخف الله في ما عهد به إليهم من تحريم ذلك عليهم، وكف هابيل عن قتله خوفا من الله تعالى. ثم ذكر أن قابيل قتل بعد ذلك أخاه فأصبح من الخاسرين، وأدركه من الندم ما ساءت به حياته بعد أخيه.
ثم عقّب على هذا بأنه كتب من أجله على بني إسرائيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا، ومن أحياها بإقامة القصاص فكأنما أحيا الناس جميعا، فنقضوا أيضا ما كتبه عليهم من ذلك، وأسرفوا في الأرض بالقتل وقطع الطريق والسرقة وغيرها، ثم ذكر أن جزاء الذين يبغون في الأرض بهذا الفساد أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، واستثنى منهم الذين يتوبون قبل القدرة عليهم، وأمر المؤمنين بالتقوى وابتغاء الوسيلة إليه وجهاد أولئك المفسدين، وأنذرهم بأن لهم من عذاب القيامة ما لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به منه ما تقبّل منهم، ثم ذكر أن جزاء السرقة من ذلك الفساد قطع الأيدي، وأن من تاب يقبل توبته ولا يعاقبه، لأنه المتفرد بالملك في السماوات والأرض يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤٠) .
نقض المنافقين واليهود لعقودهم [الآيات ٤١- ٨٦]
ثم قال تعالى: يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ [الآية ٤١] . فنهى النبي (ص) أن يحزن لمسارعة المنافقين واليهود في نقض عهودهم معه، وذكر من أمر اليهود في ذلك أنهم كانوا يجلسون إليه لكي يسمعوا منه، ويكذبوا عليه، ويتجسسوا لمن لا يحضر مجالسه من رؤسائهم، وأن رؤساءهم كانوا يحذرونهم، إذا تحاكموا إليه، أن يقبلوا منه ما يخالف ما حرفوه من أحكام التوراة في جاهليتهم، وكانوا قد حرفوا أحكامها في القصاص، وعدلوا عنها بالرشوة إلى أحكام جائرة ظالمة، فجعلوا دية