الله الميثاق عليهم، أن يلتزموا بتعاليم رسولهم، ولكنهم نسوا جانبا من تعاليمه، وأهملوا جانب التوحيد، وهو أساس العقيدة، وعند هذا الانحراف كان الخلاف بين طوائف النصارى، التي لا تكاد تعد. إذ أنّ هناك فرقا كثيرة صغيرة، داخل كل فرقة من الفرق المعلومة الكبيرة: الأرثوذكس والكاثوليك والبروتستانت والموارنة اليوم، ومن قبل كان اليعقوبيون والملكانيون والنساطرة.
وقد اشتدت العداوة بين هذه الفرق.
وشهدت المسيحية آثارها منذ القرن الأول للميلاد، وكانت على أشدها بين الملكانية واليعاقبة والنساطرة، وهي اليوم على أشدّها بين الفرق القائمة.
فلا يكاد الإنسان يتصور العداء الذي بين الكاثوليك والبروتستانت، أو بينهم وبين الأرثوذكس، أو بين الموارنة والبروتستانت، أو سواهم قال تعالى:
وقد بينت سورة المائدة أن اليهود أشد الناس عداوة للمؤمنين، وأن النصارى أقرب الناس مودة إليهم:
ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (٨٢) .
[القرآن من عند الله]
إنّ جملة الآيات الواردة في أهل الكتاب تشهد لنفسها، أنّها من عند الله تعالى لا من عند محمد بن عبد الله، العربي الأمي، الذي لم يقرأ شيئا من الكتب، على أن تلك الآيات، ليست موافقة لها ولهم، موافقة الناقل للمنقول عنه، وإنما هي، فوق ذلك، تحكم لهم، وعليهم، وفيهم، وفي كتبهم، حكم المهيمن السميع العليم.
١٢- عدالة أحكام السورة الخاصة بأهل الكتاب
لو كان هذا القرآن من وضع البشر، لشرع معاملة أهل الكتاب الموصوفين بما ذكر، ولا سيما الذين ناصبوا الإسلام العداء عند ظهوره، بأشدّ الأحكام وأقساها.
ولكنه تنزيل من حكيم حميد، أمر في هذه السورة بمعاملتهم بالعدل،