ويعالج المقطع الثاني جحود الإنسان، وكفره الفاحش لربّه، وهو يذكّره بمصدر وجوده وأصل نشأته، وتيسير حياته، وتولّي ربّه له في موته ونشره، ثمّ تقصير الإنسان بعد ذلك في أمر ربّه [الآيات ١٧- ٢٣] .
والمقطع الثالث يعالج توجيه القلب البشري إلى أمسّ الأشياء به، وهو طعامه وطعام حيوانه، وما وراء ذلك الطعام من تدبير الله وتقديره له:
[الآيات ٢٤- ٣٢] .
والمقطع الأخير يعرض الصّاخّة التي يشتد هولها، ويذهل الإنسان بها عمّا عداها، وتنقسم الوجوه إلى ضاحكة مستبشرة، وعابسة مغبرّة:[الآيات ٣٣- ٤٢] .
وتسكب السورة الإحساس بقدرة هذا الكتاب الخارقة على تغيير موازين الجاهلية، وتصحيح القيم، وتغيير المثل الأعلى، فبعد أن كان احترام الإنسان لجاهه أو ماله، أو منصبه ومركزه، أو مظاهر سطوته وجبروته وقوّته، أصبح المثل الأعلى في الإسلام طلب الحق والهدى، والتزام هدى السماء، ومراقبة الله والتزام أوامره، والعمل بأحكامه، وصدق الله العظيم: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات/ ١٣] . وتبين آية أخرى أن الله جلّ جلاله يأمرنا بمكارم الأخلاق وينهانا عن المنكرات، فيقول سبحانه: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَإِيتاءِ ذِي الْقُرْبى وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٩٠)[النحل] .
[مع آيات السورة]
[الآيتان ١ و ٢] : قطّب الرسول (ص) وجهه وأعرض، لأنّ الأعمى جاءه وقطع كلامه. وفي العدول عن الخطاب للغيبة التفات بلاغي، سرّه عدم توجيه اللوم والعتاب إلى الرسول (ص) . ثم التفت الى الخطاب بعد هاتين الآيتين، عند ما هدأت ثورة العتاب، وبدأ التلطّف.
[الآيتان ٣ و ٤] : وما يعلمك لعلّ هذا الرجل الأعمى الفقير يتطهر، ويتحقّق منه خير كبير، ويشرق قلبه بنور الايمان، فتنفعه الموعظة: