عبرة لهم ثم أمره جلّ جلاله أن يستفتيهم ثانيا في صحّة ما زعموه من أن الملائكة بنات الله، ومن أنّ بينه وبين الجنّة نسبا وبهذا يدور السياق في هذه السورة على هذا الترتيب، وقد ختمت السّورة السابقة بالاستدلال بخلق السماوات والأرض على قدرته سبحانه على بعثهم وقد جاء في أوّل هذه السّورة أنهم أضعف من غيرهم خلقا، فيكون بعثهم أهون عليه جلّ وعلا من غيرهم، وهذا هو وجه ذكر هذه السّورة بعد سابقتها، إلى ما بينهما من الشّبه في الإنذار بعذاب الله تعالى.
إبطال الشرك الآيات [١- ١٠]
قال الله تعالى: وَالصَّافَّاتِ صَفًّا (١) فَالزَّاجِراتِ زَجْراً (٢) فَالتَّالِياتِ ذِكْراً (٣) إِنَّ إِلهَكُمْ لَواحِدٌ (٤) فأقسم بالملائكة الّتي تصطفّ لعبادته، وتزجر الشياطين عن معرفة أسرار سمائه على وحدانيّته وأشار بهذا إلى عبوديّتها له عزّ وجل ثمّ وصف نفسه بما يدل على تفرّده بالألوهية، فذكر سبحانه، أنّه ربّ السماوات والأرض، وأنه زيّن السماء الدنيا بالكواكب، وحفظها من الشّياطين الّتي يزعمون أنّها تصعد إليها، فتعرف أسرارها وتلقيها إليهم، فهم يدحرون عنها كلّما اقتربوا منها، ولهم عذاب يترقّبهم دائما كلّما حاولوا ذلك: إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ (١٠) .
أخذ المشركين بالترهيب والترغيب الآيات [١١- ١٤٨]
ثمّ قال تعالى: فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمْ مَنْ خَلَقْنا إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِنْ طِينٍ لازِبٍ (١١) فأمر النبي (ص) أن يستفتيهم في أمرهم، وقد سخّر لعبادته وطرد من رحمته من هو أشدّ منهم خلقا، ومن اتّخذوهم قرناء وآلهة، فلا يعجزه أن يبعثهم ويحشرهم مع قرنائهم وآلهتهم ثم ذكر جلّ وعلا أنهم عند بعثهم لا يتناصرون كما يزعمون، بل يلقي بعضهم التّبعة على بعض، ويشتركون في العذاب جميعا ثمّ ذكر ما أعدّه للمؤمنين بعد ذكر عذابهم، وذكر ما كان من عصيانهم لقرنائهم حينما كانوا يغوونهم بالكفر وإنكار البعث والجزاء، ووازن بين ما أعدّه للفريقين، إلى أن ذكر أن السبب في ضلال المشركين أنهم ألفوا آباءهم