الحرب إفساد الديار، وأنها ترى مسالمة سليمان بإرسال هدية إليه، فلما جاءته الهدية لم يقبلها، وهدّدهم بأن يرسل إليهم جنودا لا قبل لهم بها، فلم تجد الملكة مفرّا من أن تذعن له وتسافر إلى مقرّ ملكه، فجمع قومه وأخبرهم بأنه يريد أن يحصل على عرشها قبل حضورها، فأخبره عفريت من الجن بأنه يمكنه أن يأتيه به قبل أن يقوم من مجلسه، وأخبره عالم من علماء قومه بأنه يمكنه أن يأتيه به قبل مرور طرفة عين، فشكر سليمان ربه أن جعل في ملكه مثل هذا الرجل المؤمن المتصل بالله سبحانه.
وأمر سليمان قومه أن يغيّروا شيئا من شكل العرش ليختبر ذكاءها، فانتهت الملكة إلى جواب ذكي أريب:
قالَتْ كَأَنَّهُ هُوَ [الآية ٤٢] .
فهي لا تنفي ولا تثبت، ودلّت على فراسة وبديهة في مواجهة المفاجأة العجيبة، ثم تعرّضت بلقيس لمفاجأة أخرى، في قصر من البلّور أقيمت أرضيته فوق الماء، وظهر كأنه لجّة.
فلما قيل لها ادخلي الصرح، حسبت أنها ستخوض في لجة الماء وكشفت عن ساقيها، فلما تمت المفاجأة كشف لها سليمان عن سرها، وقال:«إنه صرح مملّس من زجاج» .
ووقفت الملكة متعجبة مندهشة أمام هذه العجائب التي تعجز البشر، وتدل على أن سليمان مسخّر له قوى أكبر من طاقة البشر، فرجعت إلى الله وناجته معترفة بظلمها لنفسها فيما سلف من عبادة غيره، معلنة إسلامها مع سليمان- لا لسليمان- ولكن لله رب العالمين.
وفي أعقاب قصة بلقيس نجد الآيات [٤٥- ٥٣] تتحدث عن نبي الله صالح ومكر قومه في حقه. ونجد الآيات [٥٤- ٥٩] تتحدث عن نبي الله لوط وارتكاب قومه لفاحشة اللواط بالرجال، ومحاولة لوط تقديم النصيحة لهم دون جدوى، بل هددوه بالطرد والنفي، فأنجاه الله وأمطر قومه حجارة من السماء فأهلكتهم، فبئس مطر الهالكين الخاطئين.