من الآيات، ثم أنذر بالهلاك من لا يؤمن بها، ويصرّ على الكفر مستكبرا بعد سماعها، وأخذ السياق في هذا إلى قوله تعالى: هذا هُدىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ لَهُمْ عَذابٌ مِنْ رِجْزٍ أَلِيمٌ (١١) .
ثم عاد السياق إلى الاستدلال على وجوده تعالى بتسخيره لنا البحر تجري الفلك فيه بأمره، ولنبتغي من فضله ونشكره على تسخيره ذلك لنا. وترقى السورة من تسخير ذلك لنا إلى تسخيره، جلّ وعلا، لنا كل ما في السماوات وما في الأرض جميعا، ثم أمر الذين آمنوا بهذا أن يغفروا للذين يكفرون به ولا يرجون أيام الله، فأخذهم في هذا بالترغيب بعد ذلك الترهيب، وهوّن عليهم أمر كفرهم بأنّ من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها، ثم إلى ربهم مرجعهم فيحكم بينهم، وأتبعه ببيان مشابهة طريقتهم في ذلك لطريقة بني إسرائيل قبلهم، ليهوّن عليهم أيضا بذلك أمرهم، فذكر سبحانه أنه آتاهم الكتاب والحكم والنبوة، إلى غير هذا مما أنعم به عليهم، فاختلفوا فيما آتاهم من ذلك بغيا وظلما، ثم ذكر للنبي (ص) أنه آتاه مثلهم شريعة من أمر الدين، وحذّره أن يختلف فيها كما اختلفوا باتّباع أهواء الجاهلين، فلا يغنوا عنه من عذابه شيئا، لأن الظالمين بعضهم أولياء بعض، وهو وليّ المتقين وحدهم، وهذا تبصرة لمن يتبصّر، وهدى ورحمة لقوم يوقنون. ثم عاد السياق إلى تفصيل ما أجمله من الحكم بينهم، فذكر سبحانه أنه لا يسوّي في الحكم بين الذين اجترحوا السيئات والذين آمنوا وعملوا الصالحات، وأنه خلق السماوات والأرض بالحق، ولتجزى كلّ نفس بما كسبت وهم لا يظلمون: أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ (٢٣) .
الرد على الدهرية الآيات [٢٤- ٣٧]
ثم قال تعالى: وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ وَما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (٢٤) فذكر أنهم لا يؤمنون إلا بالحياة الدنيا، ويزعمون أن الدهر هو الذي يهلكهم، وينكرون وجود إله يحييهم بعد موتهم