للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «المرسلات» «١»

أقول: وجه اتّصالها بالسورة السابقة: أنّه تعالى، لمّا أخبر في خاتمتها، أنّه يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (٣١) ، افتتح هذه بالقسم على أن ما يوعدون واقع، فكان ذلك تحقيقا لما وعد به هناك المؤمنين، وأوعد الظالمين. ثم ذكر وقته وأشرطه بقوله سبحانه:

فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ (٨) إلى آخره.

ويحتمل أن تكون الإشارة بما يوعدون إلى جميع ما تضمنته السورة من وعيد للكافرين، ووعد للأبرار «٢» .


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ هـ/ ١٩٧٨ م.
(٢) . وهناك مناسبة بين «القيامة» و «الإنسان» و «المرسلات» من ناحية خلق الإنسان. ففي «القيامة» قال تعالى: أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى (٣٧) ثُمَّ كانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣٩) ، فذكر بداية الخلق. وفي «الإنسان» تدرّج إلى الحديث عن إتمام بناء الإنسان حتّى صار شديد الأسر: نَحْنُ خَلَقْناهُمْ وَشَدَدْنا أَسْرَهُمْ [الآية ٢٨] . ولمّا كانت قوة الإنسان مظنّة كبريائه، ذكّره، في «المرسلات» ، بمهانة أصله: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ (٢٠) . ومعاني السور الثلاث تدور حول الأصول. ولذلك قال تعالى في «المرسلات» : فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ
(٣٩) ، إعلاما بقهره للعباد.