يوسف وأخاه أحبّ إلى أبينا منّا، وأقرب إليه منا جميعا.
وقال الثاني: إن حبّ يوسف قد تمكّن من قلب يعقوب، ولا شفاء ليعقوب من هذا المرض إلا بإبعاد يوسف عنه، فيجب أن نقتل يوسف، أو نتركه في أرض نائية مقطوعة حتى يموت.
وقال يهوذا: إن القتل لا يقرّه العقل ولا الدين، فلا تقتلوا يوسف، وإنما ألقوه في البئر العميق بجوار بيت المقدس، فهذا البئر ملتقى الغادي والرائح، وسيأخذه بعض القوافل ويبعدون به عنكم، فوافقوا جميعا على رأي يهوذا، وبيّتوا أمرهم عليه.
[رؤيا يوسف]
أصبح يوسف، فأخبر أباه أنه رأى الشمس والقمر وأحد عشر كوكبا ساجدين له، فعلم الأب أن ابنه سيكون له شأن عظيم، وأنّ أسرته ستأتي له خاضعة معترفة بفضله، فيسجد بين يديه يعقوب أبوه [سجود تحيّة] ، وخالته ليا وهي بمنزلة أمه، وأخوته الأحد عشر، ولكن يعقوب خشي على يوسف من حسد إخوته، فأمره أن يكتم هذه الرؤيا وألّا يخبر بها أحدا ولأمر ما تسرب خبر هذه الرؤيا إلى الإخوة فأشعل نار الغيرة بينهم، واستأذنوا أباهم في مصاحبة يوسف يوما إلى المرعى حيث الهواء الطلق والمنظر الجميل، فأذن لهم بعد تردّد، وأخذوا يوسف وألقوه في ظلام البئر بعد أن استغاث بهم فلم يغيثوه وألقى الله على يوسف السكينة، فاطمأنّ لمصيره، وجاءت قافلة تريد الماء، وألقت بدلوها إلى البئر، فتعلّق يوسف بالدلو وفرحت القافلة بمنظر الغلام الجميل، وقدموا به إلى أرض مصر، فباعوه إلى عزيز مصر بثمن بخس زهيد، ولمح العزيز في يوسف كرم الأصل وشرف العنصر وجمال الخلق وطيب المنبت، فقال العزيز لامرأته أكرمي مثوى هذا الغلام وأحسني معاملته، وحاشاك أن تزجريه زجر الخدم أو تضربيه ضرب العبيد، فإني لأرجو إذا اكتمل عوده ونضجت سنه، أن ينفعنا أو نتّخذه ولدا.
وانصرف يوسف إلى العمل في بيت العزيز في جد وأمان، فمكّن الله له في الأرض وأودع محبته في قلوب الجميع، فلما وصل إلى سن الرشد