للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هو المعروف بالاجتهاد من طريق الرأي وتقدير المصالح. وقد رفع الإسلام بهذا الوضع جماعة المسلمين عن أن يخضعوا في أحكامهم وتصرفاتهم لغير الله، ومنحهم حق التفكير والنظر والترجيح واختيار الأصلح، في دائرة ما رسمه من الأصول التشريعية، فلم يترك العقل وراء الأهواء والرغبات، ولم يقيده، في كل شيء، بمنصوص قد لا يتفق مع ما يجد من شؤون الحياة، كما لم يلزم أهل أي عصر باجتهاد أهل عصر سابق دفعتهم اعتبارات خاصة إلى اختيار ما اختاروا.

وهنا نذكر بالأسف هذه الفكرة الخاطئة الظالمة التي ترى وقف الاجتهاد وإغلاق بابه، ونؤكد أن نعمة الله على المسلمين بفتح باب الاجتهاد لا يمكن أن تكون عرضة للزوال بكلمة قوم هالهم، أو هال من ينتمون إليهم من أرباب الحكم والسلطان، أن يكون في الأمة من يرفع لواء الحرية في الرأي والتفكير، فالشريعة الإسلامية شريعة عامة خالدة، صالحة لكل زمان ومكان.

وما على أهل العلم إلا أن يجتهدوا في تحصيل الرسائل التي يكونون بها أهلا للاجتهاد في معرفة حكم الله الذي أوكل معرفته، رأفة منه ورحمة، إلى عباده المؤمنين:

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ [الآية ٨٣] .

واقرأ في هذا الموضوع كله قوله تعالى من السورة:

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (٥٨) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٥٩) .

[القتال وأسباب النصر]

عنيت سورة النساء بتنظيم شؤون المسلمين الداخلية، وحفظ كيانهم الخارجي. وقد حثت السورة على القتال ودعت إليه حيث يقول تعالى:

فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً (٧٤) .