قال الله تعالى: الم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) فذكر سبحانه، أنّه لا ريب في تنزيل الكتاب من عنده، وأنّهم يزعمون أنّ النبي (ص) افتراه وردّ ذلك بأنّه جاء بالحقّ لينذر به قومه الّذين لم يأتهم نذير قبله، ويهديهم إلى الإيمان بالله بعد أن ضلّوا عنه وهو الّذي خلق السماوات والأرض، وما بينهما في ستّة أيّام، إلى غير هذا ممّا ذكره سبحانه في الهداية إلى الإيمان به.
ثمّ ذكر لهم شبهة أخرى، وهي إنكارهم ما أتى به، من بعثهم بعد أن يصيروا ترابا، ويضلّوا في الأرض، ومن لقاء ربهم ليعاقبهم على كفرهم وردّ عليهم بأنّه لا بدّ من الموت، ومن لقاء جزائهم بالبعث بعده، فإذا حاسبهم سبحانه على كفرهم، نكسوا رؤوسهم، ودعوه أن يرجعهم إلى الدنيا ليؤمنوا فيها به، فيجيبهم تعالى بأنّه لو شاء لهداهم في الدنيا، ولكنه لم يشأ ذلك، فلا سبيل إلى تغييره برجوعهم إليها، ولا بدّ لهم من دخول جهنّم، ولا بدّ لهم أن يذوقوا عذابها بما نسوا لقاء يومهم هذا ثمّ ذكر جلّ وعلا أنّ الإيمان لا يكون من قوم متكبّرين مثلهم، وإنّما يكون من قوم إذا ذكّروا بآيات ربهم خرّوا سجدا، وتواضعوا لمن يذكّرهم، إلى غير هذا من صفاتهم: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ (١٧) .
أخذهم بالترغيب والترهيب إلى الايمان به الآيات [١٨- ٣٠]
ثم قال تعالى: أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ (١٨) فذكر سبحانه أنه لا يمكن أن يكون جزاء من يصدّق به كجزاء من يكذّب به، لدليلين: أوّلهما: أنّه لا يمكن في العقل أن يستوي المؤمن والفاسق في الجزاء، فالمؤمنون لهم جنّات المأوى جزاء لهم، والفاسقون مأواهم النار في الاخرة، ولهم في الدنيا عذاب أدنى من ذلك، بتسليط المؤمنين عليهم وثانيهما، أنّه أتى موسى الكتاب فأظفر من آمن به على من كذّب به، فلا يصحّ للنبي (ص) أن يشكّ في أنّه سيلقى من ذلك، مثل ما لقي موسى (ع) ثمّ ذكر