إن قيل: قوله تعالى: وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ [الآية ٤] هذا في حق غير النبي (ص) من الرسل مناسب، لأن غيره لم يبعث إلى الناس كافّة بل إلى قومه فقط، فأرسل بلسانهم ليفقهوا عنه الرسالة ولا تبقى لهم الحجّة بأنا لم نفهم رسالتك. فأما النبي (ص) فإنه بعث إلى الناس كافّة، قال تعالى: قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً [الأعراف/ ١٥٨] ، وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ [سبأ/ ٢٨] .
فإرساله بلسان قومه إن كان لقطع حجّة العرب، فالحجة باقية لغيرهم من أهل الألسن الباقية، وإن لم يكن لغير العرب حجّة، أن لو نزل القرآن بلسان غير العرب يكن للعرب الحجة.
قلنا: نزوله على النبي (ص) بلسان واحد كاف، لأن الترجمة لأهل بقية الألسن تغني عن نزوله لجميع الألسن، ويكفي التطويل كما جرى في القرآن العزيز. الثاني: أن نزوله بلسان واحد أبعد عن التحريف والتبديل، وأسلم من التنازع والخلاف. الثالث: أنه لو نزل بألسنة كل الناس وكان معجزا في كلّ واحد منها، وكلّم الرسول العربي كلّ أمة بلسانها كما كلم أمته التي هو منها لكان ذلك أمرا قريبا من القسر والإلجاء وبعثة الرسل لم تبن على القسر والإلجاء، بل على التمكين من الاختيار، فلما كان نزوله بلسان واحد
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.