للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «الجن» «١»

في قوله سبحانه: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً (١١) استعارة. والمراد بذلك، والله أعلم، كنا ضروبا مختلفة، وأجناسا مفترقة.

والطرائق: جمع طريقة. وهي، في هذا الموضع، المذهب والنحلة.

والقدد: جمع قدّة، وهي القطعة من الشيء المقدود طولا، مثل فلذة وفلذ، وقربة وقرب. وقد غلب على ما كان من القطع طولا لفظ القدّ، وعلى ما كان من القطع عرضا لفظ القطّ. فكأنه سبحانه شبّه اختلافهم في الأحوال، وافتراقهم في الآراء بالسّيور المقدودة، التي تتفرّق عن أصلها، وتتشعّب بعد ائتلافها.

وفي قوله سبحانه: أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً

(١٥) استعارة.

والمراد أنّ نار جهنّم، ونعوذ بالله منها، يستدام وقودها بهم، كما يستدام وقود النار بالحطب، لأنّ كلّ نار لا بدّ لها من حشاش يحشّها، ووقود يمدّها.

وفي قوله سبحانه: وَأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً (١٩) استعارة. واللّبد هاهنا، كناية عن الجماعات المتكاثرة، التي تظاهرت من الكفّار على النبي (ص) ، أي اجتمعوا عليه متألّبين، وركبوه مترادفين.

فكانوا كلبد الشّعر، وهي طرائقه وقطعه التي يركب بعضها بعضا.

وواحدتها لبدة. ومنه قيل: لبدة الأسد، وهي الشعر المتراكب على مناكبه. وذلك أبلغ ما شبّهت به


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.