أهلكوا، لا على النبات الذي به شبّهوا.
وقيل معنى قوله تعالى: حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً أي سلّطنا عليهم السيف يختليهم، كما تختلى الزروع بالمنجل. وقد جاء في الكلام: جعله الله حصيد سيفك، وأسير خوفك.
وقوله سبحانه: بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (١٨) . وهذه استعارة. لأنّ حقيقة القذف من صفات الأشياء الثقيلة، التي يرجم بها، كالحجارة وغيرها. فجعل سبحانه، إيراد الحق على الباطل، بمنزلة الحجر الثقيل، الذي يرضّ ما صكّه، ويدمغ ما مسّه.
ولما بدأ تعالى بذكر قذف الحق على الباطل، وفّى الاستعارة حقّها، وأعطاها واجبها، فقال سبحانه: فَيَدْمَغُهُ ولم يقل فيذهبه ويبطله. لأن الدّمغ إنّما يكون عن وقوع الأشياء الثقال، وعلى طريق الغلبة والاستعلاء. فكأنّ الحقّ أصاب دماغ الباطل فأهلكه. والدماغ مقتل. ولذلك قال سبحانه من بعد: فَإِذا هُوَ زاهِقٌ والزاهق: الهالك.
وقوله سبحانه: أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ كانَتا رَتْقاً فَفَتَقْناهُما [الآية ٣٠] . وهذه استعارة.
لأن الرّتق هو سدّ خصاصة الشيء.
ويقال: رتق فلان الفتق، إذا سدّه.
ومنه قيل للمرأة: رتقاء، إذا كان موضع مرّها من الذّكر ملتحما. وأصل ذلك مأخوذ من قولهم: رتق فتق الخباء والفسطاط وما يجري مجراهما، إذا خاطه. فكأنّ السماوات والأرض كانتا كالشّيء المخيط الملتصق بعضه ببعض، ففتقهما سبحانه، بأن صدع ما بينهما بالهواء الرقيق، والجوّ الفسيح.
وروي عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، عليه السلام، معنى أن السماوات كانت لا تمطر، والأرض لا تنبت، ففتق الله سبحانه السماء بالأمطار، والأرض بالنبات «١» .
وقوله سبحانه: وَجَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً [الآية ٣٢] وهذه استعارة. لأن حقيقة السّقف ما أظلّ الإنسان، من علوّ بيت أو خباء، أو ما
(١) . نسب الشريف الرضي الكلام للإمام علي بن أبي طالب. وهذا التفسير منسوب لا بن عباس رضي الله عنهما انظر «مناهل العرفان في علوم القرآن» للزّرقاني ج ١ ص ٤٨٣. ورواية الإمام السّيوطي في «الإتقان» تؤيّد قولنا، انظر ص ١٨٧ ج ٢ من كتاب «الإتقان في علوم القرآن» للسيوطي.