الكافرين، والصفات المميزة لهؤلاء وهؤلاء، ثم يتلوها مشهد من مشاهد القيامة، وما فيها من نعيم للأولين وعذاب للآخرين. ويعقب ذلك لمسة في بسط الرزق وتقديره، وردّ ذلك الى الله سبحانه، فجولة مع القلوب المؤمنة المطمئنة بذكر الله، فوصف لهذا القرآن الذي يكاد يسير الجبال، وتقطّع به الأرض ويكلّم به الموتى فلمسة بما يصيب الكفار من قوارع تنزل بهم، أو تحل قريبا من دارهم، فجدل تهكّمي حول الآلهة المدّعاة، فلمسة عن مصارع الغابرين، ونقص أطراف الأرض منهم حينا بعد حين يختم هذا كله، بتهديد الذين يكذّبون برسالة الرسول (ص) بتركهم للمصير المعلوم.
من ذلك نرى أن الإيقاعات والمطارق المتوالية في شطر السورة الأول، تحضّر المشاعر وتهيّئها لمواجهة القضايا والمسائل في شطرها الثاني وهي على استعداد وتفتّح لتلقّيها وإنّ شطري السورة متكاملان، وكلّ منهما يوقع على الحس طرقاته وإيحاءاته، لهدف واحد وقضية واحدة، هي الإيمان عن يقين كامل وأدلة مقنعة، يطمئن لها القلب وتسكن إليها النفس. قال تعالى:
فقلب الكافر في ضلال، وقلب الجاحد مضطرب هواء، وقلب المؤمن يطمئنّ لصلته بالله، والأنس بجواره، والأمن في جانبه وحماه، يطمئن من قلق الوحدة وحيرة الطريق بإدراك الحكمة في الخلق والمبدأ والمصير، ويطمئنّ بالشعور بالحماية من كل اعتداء ومن كل ضرّ ومن كل شرّ إلّا بما يشاء الله، مع الرّضا بالابتلاء والصبر على البلاء ويطمئنّ برحمة الله في الهداية والرزق والستر في الدنيا والآخرة.
وليس أشقى على وجه الأرض ممّن يحرمون طمأنينة الأنس الى الله. ليس أشقى ممّن يعيش لا يدري لم جاء، ولم يذهب، ولم يعاني في الحياة؟
ليس أشقى في الحياة، ممّن يشقّ طريقه فريدا وحيدا شاردا في فلاة، عليه أن يكافح وحده بلا ناصر ولا هاد ولا معين.
وإن هناك شدائد في الحياة، لا يصمد لها بشر، إلّا أن يكون مرتكنا الى الله، مطمئنّا الى حماه، مهما أوتي