للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

استوى «١» فلان الملك على سرير ملكه. بمعنى استولى على تدبير الملك، وملك مقعد الأمر والنهي.

وحسن صفته بذلك، وإن لم يكن له في الحقيقة سرير يقعد عليه، ولا مكان عال يشار اليه. وإنما المراد نفاذ أمره في مملكته، واستيلاء سلطانه على رعيته.

فإن قيل: فالله سبحانه مستول على كل شيء بقهره وغلبته، ونفاذ أمره وقدرته، فما معنى اختصاص العرش بالذكر هاهنا؟ قيل، كما ثبت، أنه تعالى ربّ لكل شيء. وقد قال في صفة نفسه، رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (١٢٩) [التوبة والمؤمنون/ ٨٦ والنمل/ ٢٦] فإن قيل:

فما معنى قولنا عرش الله، إن لم يرد بذلك كونه عليه؟ قيل كما يقال: بيت الله وإن لم يكن فيه، والعرش في السماء تطوف به الملائكة تعبّدا، كما أن البيت في الأرض تطوف به الخلائق تعبّدا.

وقوله سبحانه: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ [الآية ١٠] وهذه استعارة على بعض الأقوال. كأنّ المعنى، أنّ بشراهم بالسلامة من المخاوف عند دخول الجنّة، تجعل مكان التحية لهم. لأن لكل داخل دارا تحيّة يلقى بها، ويؤنس بسماعها. والسلام هاهنا من السلامة، لا من التسليم.

وقوله سبحانه: حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها [الآية ٢٤] . وهذه استعارة حسنة، لأن الزّخرف في كلامهم اسم للزّينة واختلاف الألوان المونقة.

وقوله سبحانه: أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها. أي لبست زينتها بألوان الأزهار، وأصابيع الرياض، كما يقال:

أخذت المرأة قناعها. إذا لبسته. وتقول لها: خذي عليك ثوبك. أي البسيه.

وقوله تعالى: خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ [الأعراف/ ٣١] أي البسوا ثيابكم.

وقوله سبحانه: فَجَعَلْناها حَصِيداً [الآية ٢٤] . استعارة أخرى، لأن


(١) . ومنه قول الراجز:
قد استوى بشر على العراق ... من غير سيف ودم مهراق
انظر «القرطبي» ج ٧ ص ٢٢٠.