قلنا: لمّا وصفها بما هو من صفات من يعقل، وهو السجود أجرى عليها حكمه، كأنها عاقلة، وهذا شائع في كلامهم أن يلابس الشيء الشيء من بعض الوجوه، فيعطى حكما من أحكامه إظهارا لأثر الملابسة المقارنة، ونظيره قوله تعالى قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا [النمل/ ١٨] وقوله تعالى في وصف السماء والأرض قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ (١١)[فصّلت] .
فإن قيل: لم قال تعالى يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ [الآية ١٢] وكانوا عاقلين بالغين، وأنبياء أيضا في قول البعض، وكيف رضي يعقوب عليه السلام لهم بذلك؟
قلنا: على قراءة الياء لا إشكال، لأن يوسف عليه السلام كان يومئذ دون البلوغ فلا يحرم عليه اللعب، وعلى قراءة النون نقول كان لعبهم المسابقة والمناضلة، ليعوّدوا أنفسهم الشجاعة لقتال الأعداء لا للهو، وذلك جائز بالشرع، ويعضد هذا قولهم كما ورد في التنزيل إِنَّا ذَهَبْنا نَسْتَبِقُ [الآية ١٧] وإنّما سموه لعبا لأنه في صورة اللعب. ويرد على أصل السؤال أن يقال: كيف يتورّعون عن اللعب وهم قد فعلوا ما هو أعظم حرمة من اللعب، وأشدّ، وهو إلقاء أخيهم في الجبّ على قصد القتل.
فإن قيل: لم اعتذر إليهم يعقوب عليه السلام بعذرين أحدهما إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ [الآية ١٣] لأنه كان لا يصبر عنه ساعة واحدة، والثاني خوفه عليه من الذئب، فأجابوه عن أحد العذرين دون الآخر؟
قلنا: حبه إيّاه، وإيثاره له، وعدم صبره على مفارقته، هو الذي كان يغيظهم ويؤلمهم، فأضربوا عنه صفحا، ولم يجيبوا عنه.
فإن قيل: لم قال تعالى وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ [الآية ١٥] وهو يومئذ لم يكن بالغا، والوحي إنما يكون بعد الأربعين؟
قلنا: المراد به وحي الإلهام، لا وحي الرسالة الذي هو مخصوص بما بعد الأربعين ونظيره قوله تعالى وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ [القصص/ ٧] وقوله تعالى وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ [النحل/ ٦٨] .