ومن أدلة الألوهية: إحاطة علم الله بالجنين في بطن أمه، وبالسر المكنون في الصدور، وبالحركة الخفية في جنح الليل، وبكلّ مختف في الليل وظاهر في النهار، وهو سبحانه محيط بكل من تكلّم همسا، أو تكلّم جهرا، فإن كل شيء مكشوف تحت المجهر الكاشف يتبعه شعاع من علم الله، وتتعقبه حفظة تحصي الخواطر والنوايا.
إلا أنها الرهبة الخاشعة التي لا تملك النفس معها إلا أن تلجأ الى الله، تطمئن في حماه، وهي تتصور علم الله المحيط بكل شيء. ونلاحظ أن بعض الآيات في سورة الرعد، يلمس آفاق الكون الهائل، مثل الآيات الأربع الأولى من السورة.
وبعض الآيات، يلمس أغوار النفس ومجاهل السرائر، مثل الآيات الممتدة من ٨ الى ١٠ حيث يقول سبحانه:
اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ (٨) عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعالِ (٩) سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) . ثم يأخذ السياق في جولة جديدة في واد آخر، تجتمع فيه مناظر الطبيعة ومشاعر النفس، متداخلة متناسقة.
والبرق والرعد والسحاب مشاهد معروفة وكذلك الصواعق التي تصاحبها في بعض الأحيان، وهي بذاتها مشاهد ذات أثر في النفس، حتى اليوم، وعند الذين يعرفون مزيدا عن طبيعتها.
والسورة تذكر هذه الظواهر متتابعة، وتضيف إليها الملائكة والتسبيح والسجود والخوف والطمع، لتصوير سلطان الله، المتفرّد بالقهر والنفع والضّرّ.
وقد سميت السورة بسورة الرعد، لقوله سبحانه:
وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ.
والرعد هو ذلك الصوت المقرقع المدوّي، وهو أثر من آثار الناموس الكوني الذي صنعه الله، أيّا كانت طبيعته وأسبابه، فهو رجع صنع الله في