أقول: وهذه من موادّ القرآن التي لا نعرفها في عربية معاصرة.
٣- وقال تعالى: وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسارِبٌ بِالنَّهارِ (١٠) .
والمعنى: سواء عنده من استخفى، أي: طلب الخفاء في مختبأ بالليل في ظلمته، ومن يضطرب في الطرقات ظاهرا بالنهار يبصره كلّ أحد.
أقول: وليس لنا في العربية المعاصرة إلا المزيد «سرّب» ، و «تسرّب» ومعناهما شيء آخر ذو خصوصية أخرى، فيقال مثلا: سرّب خبرا، وتسرّب الخبر، وكلّه شي مولّد جديد.
٤- وقال تعالى: وَيُنْشِئُ السَّحابَ الثِّقالَ (١٢) .
و (السّحاب) في الآية يفيد الجمع بدلالة الوصف (الثّقال) .
ومن المفيد أن نعرض لكلمة «السحاب» في لغة التنزيل، لنرى تصاقب الجمع والإفراد فيها، قال تعالى: وَتَصْرِيفِ الرِّياحِ وَالسَّحابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ [البقرة/ ١٦٤] .
وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ (٤٤) [الطور] .
حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالًا سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ [الأعراف/ ٥٧] .
فالسحاب في الآية الأولى مفرد بدلالة الوصف (المسخّر) ، ومثله في الآية الثانية وأما الآية الثالثة ففيها شيء آخر، فقد وصف السحاب بصفة الجمع (الثقال) ، ثم عاد الضمير عليه في (سقناه) فعدّ مفردا.
وحقيقة الأمر أن «السحاب مفرد كسائر أسماء الجمع، كالنخل والشجر وغيرهما، ولكن هذه الأسماء ذات معان تؤدّي الجمع. على أن الشيء يكون مفردا مرةّ وجمعا أخرى باعتبار لفظه، وباعتبار معناه، وهذا من خصائص لغة التنزيل.
٥- وقال تعالى: وَهُمْ يُجادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ (١٣) .
المحال والمماحلة سواء، وهما مصدر الفعل «ماحل» ، ويعنيان شدة المماكرة والمكايدة.
أقول: مصدر «فاعل» قياسي، فهو الفعال والمفاعلة، مثل سابق سباقا ومسابقة، ولكن قد يشيع بناء من هذين المصدرين ويكاد الآخر ينسى فلا يرد