لغلامك: لو أنّي قمت إليك، وتترك الجواب.
والمعنى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ عن مقارّها، وزعزعت عن مضاجعها، أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ حتّى تتصدّع وتتزايل قطعا، أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى فتسمع وتجيب، لكان هذا القرآن لكونه غاية في التذكير ونهاية في الإنذار والتخويف كما قال تعالى:
لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الحشر/ ٢١] .
أقول: وهذا الأسلوب من حذف الجواب يخدم الغرض البلاغي، وهو أن يدع السامع يتفكّر في عظم ما يريد الله سبحانه أن يفعله.
أما قوله تعالى: أَفَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا فالمراد بها: أفلم يعلم.
قيل: هي لغة قوم من النّخع.
وقيل: إنّما استعمل اليأس بمعنى العلم لتضمّنه معناه، لأنّ اليائس عن الشيء عالم بأنّه لا يكون، كما استعمل الرجاء في معنى الخوف، والنسيان في معنى الترك لتضمّن ذلك، قال سحيم بن وثيل الرياحي:
أقول لهم بالشّعب إذ ييسرونني ... ألم تيأسوا أنّي ابن فارس زهدم
ويدل عليه أنّ عليّا وابن عبّاس وجماعة من الصحابة والتابعين قرءوا:
أفلم يتبيّن، وهو تفسير أَفَلَمْ يَيْأَسِ.
١٢- وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُها مِنْ أَطْرافِها وَاللَّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ (٤١) .
وقوله تعالى: لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، أي: لا رادّ لحكمه، والمعقّب الذي يكرّ على الشيء فيبطله، وحقيقته:
الذي يعقبه أي: يقفّيه بالردّ والإبطال.
ومنه قيل لصاحب الحقّ: معقّب لأنه يقفّي غريمه بالاقتضاء والطلب، قال لبيد:
حتى تهجّر في الرّواح وهاجها ... طلب المعقّب حقّه المظلوم
والمعنى أنه حكم للإسلام بالغلبة والإقبال، وعلى الكفر بالإدبار والانتكاس.
أقول: وهذه كلمة فنّيّة هي من أوائل ما عرف من المصطلح القضائي.