قلنا: هو كلام جرى مجرى التعجّب من قولهم، لأن الآيات الباهرة المتكاثرة التي أوتيها رسول الله (ص) لم يؤتها نبيّ قبله، وكفى بالقرآن وحده آية وراء كل آية فإذا جحدوا آياته ولم يعتدّوا بها، وجعلوه كأن آية لم تنزل عليه قط، كان موضعا يتعجّب منه فكأنه قيل لهم: ما أعظم عنادكم وما أشدّ تصميمكم على كفركم.
فإن قيل: كيف المطابقة بين قوله تعالى: أَفَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ [الآية ٣٣] وقوله سبحانه بعد ذلك في الآية نفسها: وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ.
قلنا: فيه محذوف تقديره: أفمن هو رقيب على كل نفس صالحة وطالحة، يعلم ما كسبت من خير وشر، ويعدّ لكل جزاء، كمن ليس كذلك وهو الصنم؟ ثم ابتدأ السياق بقوله تعالى:
وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ أو تقديره: أفمن هو بهذه الصفة لم يوحّدوه وجعلوا له شركاء، أو التقدير: أفمن كان بهذه الصفة يغفل عن أهل مكّة وأقوالهم وأفعالهم، وجعلوا لله شركاء. فإن قيل: كيف اتصل قوله تعالى في الآية نفسها: قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ بما قبله، وهو قوله تعالى وَمِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ [الآية ٣٦] .
قلنا: هو جواب للمنكرين، معناه:
قل إنما أمرت فيما أنزل اليّ بأن أعبد الله ولا أشرك به. فإنكارهم لبعضه إنكار لعبادة الله تعالى وتوحيده، كذا أجاب به الزمخشري، وفيه نظر.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أثبت لهم مكرا، ثم نفاه عنهم، بقوله تعالى في الآية نفسها: فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً [الآية ٤٢] ؟
قلنا: معناه أن مكر الماكرين مخلوق له، ولا يصير إلا بإرادته فبهذه الجهة، صحت إضافة مكرهم إليه سبحانه. الثاني: أنه جعل مكرهم كلا مكر بالإضافة الى مكره، لأنه يأتيهم من حيث لا يعلمون، فيعكس مكرهم عليهم، فإثباته لهم باعتبار الكسب، ونفيه عنهم باعتبار الخلق.