للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتداعي، والغثاء المتلاشي. إن في ذلك لعبرة لأولي الأبصار.

ومعنى تسبيح الرعد بحمده سبحانه:

دلالته على أفعاله التي يستحق بها الحمد، كما يقول القائل: هذه الدار تنطق بفناء أهلها. أي تدل على ذلك بخلاء ربوعها، وتهدّم عروشها.

وقد يجوز أن يكون معنى: وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ أن الرعد يضطر الناس الى تسبيح الله سبحانه عند سماعه، فحسن وصفه بالتسبيح لأجل ذلك، إذ كان هو السبب فيه. وهذا معروف في كلامهم.

وقوله تعالى: وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَظِلالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (١٥) . وهذه استعارة. لأن أصل السجود في اللغة الخضوع والتذلّل. إمّا باللسان الناطق عن الجملة أو بآثار الصنعة وعجائب الخلقة. ثم نقل فصار اسما لهذا العمل المخصوص الذي هو من أركان الصلاة، لأنه يدل على تذلّل الساجد لخالقه، بتطامن شخصه، وانحناء ظهره. وقد ذكر في بعض الأخبار أن جدنا جعفر «١» بن محمد عليهما السلام سئل عن العلّة فيما كلف الله سبحانه من أعمال الصلاة وسائر العبادات، فقال: أراد الله سبحانه بذلك إذلال الجبّارين. فإذا تمهّد ما ذكرنا، كان في ذكر «الضلال» فائدة حسنة، وهو أن الظل الذي هو في سجود الشخص وهو غير قائم بنفسه، إذا ظهرت فيه أعلام الخضوع للخالق تعالى، بما فيه من دلائل الحكمة وعجائب الصنعة، كان ذلك أعجب من ظهور هذه الحال في البنية القائمة بنفسها، والمعروفة بشخصها.

وقوله سبحانه: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَأَمَّا ما يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ (١٧) . وهذه استعارة.

والمراد بضرب الأمثال، والله أعلم، معنيان: أحدهما أن يكون تعالى أراد


(١) . جعفر بن محمد، هو أبو عبد الله جعفر الصادق بن محمد الباقر بن زين العابدين بن الحسين رضي الله عنهم.
وهو سادس الأئمة الاثني عشر. وكان واسع العلم، أخذ عنه أبو حنيفة ومالك وجابر بن حيّان. ولقب بالصادق لأنه لم يعهد عليه كذب قطّ. توفي سنة ١٤٨ هـ بالمدينة.