للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرسالات الأولى، وأقرب مثل لهذا النسق سورة هود، فأما سورة إبراهيم- أبي الأنبياء- فتجمع الأنبياء كلهم في صف، وتجمع المكذّبين كلهم في صف، وتجري المعركة بينهم في الأرض، ثم لا تنتهي هنا، بل تتابع خطوتها كذلك في يوم الحساب.

ونبصر مشهد أمّة الرسل، وفرقة المكذبين في صعيد واحد على تباعد الزمان والمكان. فالزمان والمكان عرضان زائلان، أمّا الحقيقة الكبرى في هذا الكون- حقيقة الإيمان والكفر- فهي أضخم وأبرز من عرضي الزمان والمكان.

قال تعالى:

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (٩) قالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى قالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ (١٠) قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (١١) .

فهاهنا تتجمّع الأجيال من لدن نوح (ع) ، وتتجمع الرسل ويتلاشى الزمان والمكان وتبرز الحقيقة الكبرى:

حقيقة الرسالة وهي واحدة واعتراضات المكذّبين وهي واحدة، وحقيقة نصر الله للمؤمنين وهي واحدة، وحقيقة استخلاف الله للصالحين وهي واحدة، وحقيقة الخيبة والخذلان للمتجبّرين وهي واحدة، وحقيقة العذاب الذي ينتظرهم هناك وهي واحدة.

ولا تنتهي المعركة بين الكفر والإيمان هنا، بل يتابع السياق خطواته بها إلى ساحة الآخرة فتبرز معالمها في مشاهد القيامة المتنوّعة التي تتضمنها السورة وهي تشير إلى أنها معركة واحدة تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة ولا انفصال بينهما، ولكن تكمل إحداهما الأخرى.

وتكمل الأمثال التي تبدأ في الدنيا وتنتهي في الآخرة إبراز معالم المعركة