والفاجر والعاصي نعمة في هذه الأرض كالمؤمن والبار والطائع، لعلّهم يشكرون: ويعرض هذه النعم في أضخم مجالي الكون وأبرزها، ويضعها داخل إطار من مشاهد الوجود العظيمة:
اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ (٣٢) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ (٣٣) وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) .
وفي إرسال بعث الرسل نعمة تعدل تلك أو تربو عليها:
كِتابٌ أَنْزَلْناهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ [الآية ١] .
والنور أجلى نعم الله في الوجود، والنور هنا هو النور الأكبر، النور الذي يشرق به كيان الإنسان، ويشرق به الوجود في قلبه وحسه. وكذلك كانت وظيفة موسى (ع) في قومه، ووظيفة الرسل كما بينتها السورة. وفي قول الرسل مجتمعين:
يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ [الآية ١٠] .
والدعوة لأجل الغفران نعمة تعدل نعمة النور، وهي منه قريب:
وفي هذا الجو يذكر وعد الله للرسل.
فَأَوْحى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ (١٣) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ.
وهي نعمة. ويبرز السياق حقيقة زيادة النعمة بالشكر:
وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ (٧) .
مع بيان أن الله غني عن الشكر وعن الشاكرين:
إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ (٨) .
ويقرر السياق، أن الإنسان في عمومه لا يشكر النعمة حق الشكر.
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (٣٤) .
ولكن الذين يتدبّرون آيات الله،