يبق لمؤمن فيه موضع، مع أن حج غير الموحّدين لا يفيد، والأفئدة هنا القلوب في قول الأكثرين، وقيل الجماعة من الناس.
فإن قيل: إذا كان الله تعالى قد ضمن رزق العباد، فلم سأل إبراهيم عليه السلام الرزق لذرّيّته، فقال كما ورد في التنزيل: وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ [الآية ٣٧] ؟
قلنا: الله تعالى ضمن الرزق والقوت الذي لا بد للإنسان منه ما دام حيّا، ولم يضمن كونه ثمرا أو حبّا أو نوعا معينا فالسؤال كان لطلب الثمر عينا.
فإن قيل: قوله تعالى: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ [الآية ٣٩] شكر على نعمة الولد، فكيف يناسبه بعده في الآية نفسها: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) ؟
قلنا: لمّا كان قد دعا ربّه لطلب الولد بالقول: رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)[الصافّات] فاستجاب له ناسب قوله بعد الشكر: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ (٣٩) أي لمجيبه من قولهم:
سمع الملك قول فلان إذا أجابه وقبله، ومنه قولهم في الصلاة «سمع الله لمن حمده» أي أجابه وأثابه.
فإن قيل: لم قال تعالى: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ [نوح/ ٢٨] استغفر إبراهيم لوالديه وكانا كافرين، والاستغفار للكافرين لا يجوز، ولا يقال إن هذا موضع الاستثناء المذكور في قوله تعالى: وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ [التوبة/ ١١٤] ، لأن المراد بذلك استغفاره لأبيه خاصة، بقوله وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كانَ مِنَ الضَّالِّينَ (٨٦)[الشعراء/ ٨٦] والموعدة التي وعدها إيّاه إنما كانت له خاصة، بقوله تعالى: قالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي [يوسف/ ٩٨] ولهذا قال الله تعالى:
قلنا: هذا الاستغفار لهما كان مشروطا بإيمانهما تقديرا، كأنه قال ولوالديّ إن آمنا. الثاني: أنه أراد بهما آدم وحوّاء صلوات الله عليهما، وقرأ ابن مسعود وأبي والنخعي والزهري رضي الله عنهم (ولولديّ) يعني إسماعيل وإسحاق، ويعضد هذه القراءة سبق ذكرهما، ولا إشكال على هذه القراءة، وقيل إن هذا الدعاء على القراءة المشهورة، وإلى ذلك أشير بقوله تعالى وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (٨٢)[الشعراء] .