للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قل لخفيف القصبات الجوفان ... جيئوا بمثل عامر والعلهان «١»

وإنما وصف الجبان بأنه لا قلب له، لأن القلب محل الشجاعة، وإذا نفي المحل فأولى أن ينتفي الحالّ فيه.

وهذا على المبالغة في صفته بالجبن.

ويسمون الشيء إذا كان خاليا «هواء» ، أي ليس فيه ما يشغله إلا الهواء.

وعلى هذا قول الله سبحانه:

وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً [القصص/ ١٠] أي خاليا من التجلّد، وعاطلا من التصبّر. وقيل أيضا: إن معنى ذلك أنّ أفئدتهم منحرفة لا تعي شيئا، للرعب الذي دخلها، والهول الذي استولى عليها. فهي كالهواء الرقيق في الانحراف، وبطلان الضبط والامتساك.

وقوله سبحانه: وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ (٤٦) . وهذه استعارة على إحدى القراءتين. وهما:

لتزول. بكسر اللام الأولى وفتح اللام الأخرى، ولتزول، بفتح اللام الأولى وضم الأخرى. وقرأنا بهذه القراءة للكسائي «٢» وحده، وقرأنا لبقية السبعة القراءة الأولى.

فمعنى القراءة الأولى أن يكون موضع «إن» فيها موضع نعم، لأنها قد ترد بهذا المعنى مثقلة: كقوله: [إنّ وراكبها] «٣» .

ويجوز أن ترد مخففة. لأنّ «إن» على أصلها قد تأتي مخففة ومثقلة.

ويكون المعنى واحدا. وكذلك «أن» المفتوحة. قال الشاعر «٤» :

أكاشره وأعلم أن كلانا ... على ما ساء صاحبه حريص

وأراد «أنّ كلانا» فخفف. فإذا تقرر ذلك صار تقدير الكلام في الآية:


(١) . ورد هذا البيت في ديوان جرير هكذا:
ويلكموا يا قصبات الجوفان ... جيئوا بمثل قعنب والعلهان
(٢) . الكسائي: هو علي بن حمزة الكوفي، أحد القراء السبعة. وإمام مدرسة في النحو واللغة مشهورة. وكان مؤدّبا للرشيد العباسي وابنه الأمين. توفي سنة ١٨٩ هـ بمدينة الري.
(٣) . هذا هو ما ردّ به ابن الزبير رضي الله عنه لمن قال له: لعن الله ناقة حملتني إليك. فقال ابن الزبير: إنّ وراكبها.
أي: نعم! ولعن راكبها. وهو من شواهد كتب معاني الحروف. انظر «مغنى اللبيب» ج ١ ص ٣٦.
(٤) . قيل هو عديّ بن زيد وقيل هو عمرو بن جابر الحنفي.
راجع إميل يعقوب: المعجم المفصّل في شواهد اللغة العربية ٤/ ١٢٣ ففيه إحالات إلى مظانّ عدّة. [.....]