للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أن يقال: اتخذ فلان بيتا في الجبل أو في الصحراء أو نحو ذلك؟

قلنا: قال الزمخشري رحمه الله:

إنّما أتي بلفظة «من» ، لأنه أريد معنى البعضية، وأن لا تبني بيوتها في كل جبل وكل شجر، ولا في كل مكان من الجبل والشجر. وأنا أقول: إنما ذكر بلفظ «من» لأنه أريد كون البيت بعض الجبل وبعض الشجر، كما نشاهد ونرى من بيوت النحل، لأنه يتخذ من طين أو عيدان في الجبل والشجر، كما تتخذ الطيور. فلو أتي بلفظة «في» لم تدل على هذا المعنى، ونظيره قوله تعالى وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً [الشعراء: ١٤٩] .

فإن قيل: لم قال الله تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً [الآية ٧٢] وأزواجنا لسن من أنفسنا، لأنهن لو كنّ من أنفسنا لكنّ حراما علينا، فإن المتفرعة من الإنسان لا يحلّ له نكاحها؟

قلنا: المراد بهذا أنه خلق آدم ثم خلق منه حواء، كما قال تعالى: الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها [النساء: ١] . الثاني أنّ المراد من جنسكم، كما قال تعالى: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ [التوبة: ١٢٨] .

فإن قيل: لم قال تعالى: وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ (٧٣) ، فعبر بالواو والنون، وهما من خواص من يعقل؟

قلنا: كان فيمن يعبدونه من دون الله، من يعقل كالعزيز وعيسى والملائكة عليهم الصلاة والسلام، فغلّبهم.

فإن قيل: لم أفرد في قوله تعالى:

ما لا يَمْلِكُ ثم جمع في قوله سبحانه وَلا يَسْتَطِيعُونَ؟

قلنا: أفرد نظرا للفظ «ما» ، وجمع نظرا إلى معناها، كما قال تعالى:

وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ [الزخرف] أفرد الضمير نظرا إلى للفظ، وجمع الظهور نظرا إلى المعنى.

فإن قيل: ما الحكمة في نفي استطاعة الرزق بعد نفي ملكه والمعنى واحد، لأن نفي ملك الفعل، هو نفي استطاعته، والرزق هنا اسم مصدر بدليل إعماله في «شيئا» ؟