لتعلموا الحساب، دخل فيه عدد السنين، إذ هو من جملة الحساب؟
قلنا: العدد كله موضوع الحساب، كبدن الإنسان فإنه موضوع الطب، وأفعال المكلّفين موضوع الفقه، وموضوع كل علم مغاير له، وليس جزءا منه. كبدن الإنسان ليس جزءا من الطب، ولا أفعال المكلّفين جزءا من الفقه فكذا العدد، ليس جزءا من الحساب وإنما ذكر عدد السنين وقدّم على الحساب، لأن المقصود الأصلي من محو الليل وجعل آية النهار مبصرة، علم عدد الشهور والسنين، ثم يتفرّع من ذلك علم حساب التاريخ، وضرب المدد والآجال.
فإن قيل: لم قال الله تعالى كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) وقال في موضع آخر وَكَفى بِنا حاسِبِينَ (٤٧)[الأنبياء] ؟
قلنا: مواقف القيامة مختلفة، ففي موقف يكل الله، سبحانه، حسابهم إلى أنفسهم، وعلمه محيط به وفي موقف يحاسبهم، هو جلّ جلاله. وقيل إنه سبحانه هو الذي يحاسبهم لا غيره، وقوله تعالى كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً (١٤) ، أي يكفيك أنك شاهد على نفسك بذنوبها، عالم بذلك فهو توبيخ وتقريع، لا أنه تفويض لحساب العبد إلى نفسه. وقيل من يريد مناقشته في الحساب يحاسبه بنفسه، ومن يريد مسامحته فيه يكل حسابه إليه.
فإن قيل: قال تعالى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤] ويرد ما جاء في الأخبار، أن في يوم القيامة يؤخذ من حسنات المغتاب والمديون، ويزاد في حسنات ربّ الدّين والشخص الذي اغتيب، فإن لم تكن لهما حسنات يوضع عليهما من سيئات خصميهما، وكذلك جاء هذا في سائر المظالم؟
قلنا المراد من الآية، أنها لا تحمله اختيارا ردّا على الكافرين حيث قالوا للذين آمنوا، كما ورد في التنزيل اتَّبِعُوا سَبِيلَنا وَلْنَحْمِلْ خَطاياكُمْ [العنكبوت: ١٢] ، والمراد من الخبر، أنها تحمله كرها، فلا تنافي وقد سبق هذا مرة في آخر سورة الأنعام.
فإن قيل: لم قال الله تعالى أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها
[الآية ١٦] وقال في آية أخرى قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ [الأعراف: ٢٨] .
قلنا: فيه إضمار تقديره أمرناهم بالطاعة ففسقوا. وقال الزّجّاج، ومثله