للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالغواية، ولأستقصين إهلاكهم بالضلال، لأن اتّباعهم غيّه وطاعتهم أمره، يؤولان بهم إلى موارد الهلاك، وعواقب البوار.

وقال الشاعر [بحر الرجز] :

نشكو إليك سنة قد أجحفت ... واحتنكت أموالنا وجلّفت «١»

أي أهلكت أموالنا.

ويقال احتنكه إذا استأصله. ومن ذلك قولهم: احتنك الجراد الأرض.

إذا أتى على نبتها.

وقيل أيضا: المراد بذلك، لأضيّقنّ عليهم مجاري الأنفاس من أحناكهم، بإيصال الوسوسة لهم، وتضاعف الإغواء عليهم. ويقال احتنك فلان فلانا إذا أخذ بمجرى النفس من حنكه.

فكان كالشّبا «٢» في مقلته والشّجا «٣» في مسعله. وقوله سبحانه: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ [الآية ٧٨] وهذه استعارة. لأن الدّالك، المائل في كلامهم. فكأنه سبحانه أمر بإقامة الصلاة عند ميل الشمس. فقيل عند ميلها للزوال، وقيل عند ميلها للغرب والشمس على الحقيقة لا تميل عن موضعها، ولا تزول عن مركزها، وإنّما تعلو أو تنخفض، وترتفع بارتفاع الفلك وانخفاضه، وسيره وحركاته.

وقوله سبحانه وَقُلْ جاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً (٨١) .

وهذه استعارة. لأنهم يقولون:

زهقت نفس فلان إذا خرجت. ومنه قوله تعالى وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) [التوبة] فالمراد، والله أعلم، وهلك الباطل إنّ الباطل كان هلوكا، تشبيها له بمن فاضت نفسه، وانتقضت بنيته لأنّ الباطل لا مساك لذمائه، ولا سماك لبنائه.


(١) . ورد هذا الرجز في «مجازات القرآن» لأبي عبيدة هكذا:
نشكو إليك سنة قد أجحفت ... جهدا إلى جهد بنا فأضعفت
واحتنكت أموالنا وجلفت انظر «مجازات القرآن» لأبي عبيدة. طبعة سامي الخانجي ص ٣٨٤ والرجز كذلك في الجامع لأحكام القرآن» ج ١٠ ص ٢٨٧. ولم ينسبه أبو عبيدة، ولا القرطبي، لقائله.
(٢) . الشّبا جمع شباة، وهي حد السيف، أو قدر ما يقطع به منه.
(٣) . الشّجا ما يعترض الحلق، فيشجى به.