ومثل هذا، إنّما يستعمل إذا كان المأمور مختارا في الذكر وعدمه كما تقول لصاحبك وهو يكتب كتابا:
اذكرني في الكتاب، أو اذكر فلانا في الكتاب والنبيّ (ص) ما كان على سبيل من الزيادة والنقصان في الكتابة، ليوصي بمثل ذلك؟
قلنا: هذا على طريق التأكيد في الأمر بالإبلاغ، كتأكيد الملك على رسوله بإعادة بعض فصول الرسالة وتخصيصها بالأمر بالإبلاغ.
فإن قيل: الاستغفار للكافر لا يجوز، فلم وعد إبراهيم أباه بالاستغفار له، في قوله تعالى: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي [الآية ٤٧] مع أنه كافر؟
قلنا معناه: سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها مغفرته، يعني الإسلام والاستغفار للكافر بهذا الطريق جائز، وهو أن يقال: اللهم وفّقه للإسلام، أو:
اللهم تب عليه واهده وأرشده، وما أشبه ذلك. الثاني: أنه وعده ذلك، بناء على أنه يسلم فيستغفر له بعد الإسلام. الثالث: أنه وعده ذلك قبل تحريم الاستغفار للكافر فإنّ تحريم ذلك قضيّة شرعيّة، إنّما تعرف بالسمع، لا عقلية، فإن العقل لا يمنع ذلك.
فإن قيل: الطّور، وهو الجبل ليس له يمين ولا شمال، فلم قال تعالى:
مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ [الآية ٥٢] .
قلنا: خاطب الله تعالى العرب، بما هو معروف في استعمالهم، فإنهم يقولون عن يمين القبلة وشمالها، يعنون ما يلي يمين المستقبل لها وشماله، لأنّ القبلة لا يد لها لتكون لها يمين وشمال. وهذا اتساع منهم في الكلام لعدم اللّبس، فالمراد بالأيمن هنا، ما عن يمين موسى (ع) من الطّور. لأنّ النداء جاءه من قبل يمينه، هذا إن كان الأيمن ضد الأيسر من اليمين. وإن كان من اليمن، وهو البركة، من قولهم: يمن فلان قومه فهو يامن: أي كان مباركا عليهم، فلا إشكال، لأنه يصير معناه: من جانب الطّور المبارك.
فإن قيل: لم قال تعالى: وَوَهَبْنا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنا أَخاهُ هارُونَ نَبِيًّا (٥٣) وهارون كان أكبر من موسى (ع) فما معنى هبته له؟