مطاعمهم ومشاربهم، ومناكحهم، ومساكنهم، وغير ذلك من مصالحهم.
ويكون ذلك نظير قوله تعالى:
وَآتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ [إبراهيم: ٣٤] ويكون المراد أنه سبحانه أعطى خلقه في أوّل خلقهم كل ما تزاح به عللهم، ويتكامل معه خلقهم، من سلامة الأعضاء، واعتدال الأجزاء، وترتيب المشاعر والحواسّ، ومواقع الأسماع والأبصار، ثمّ هداهم من بعد لمصالحهم، ودلّهم على مناكحهم، وأجراهم في مضمار التكليف إلى غاياتهم.
وقوله سبحانه: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً [الآية ٥٣] . وهذه استعارة. والمراد بها تشبيه الأرض بالمهاد المفترش، ليمكن الاستقرار عليها، والتقلّب فيها. وقد مضى نظير هذه الاستعارة فيما تقدم. ومعنى المهد والمهاد واحد. وهو مثل الفرش والفراش. إلّا أنّ المهد ربّما استعمل في رسم الآلة التي يجعل فيها الصبيّ الصغير ليحفظه، وهو يؤول إلى معنى الفراش. والمهد أيضا: مصدر مهد، يمهد، مهدا. إذا مكّن موضعا لقدمه، ومضجعا لجنبه.
وقوله سبحانه: وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْماً (١١١) وهذه استعارة. والمراد بها ما يظهر في الوجوه يوم القيامة من آثار الضّرع، وأعلام الجزع. وذلك مأخوذ من تسميتهم الأسير «العاني» ومنه ما جاء في بعض الكلام: النساء عوان عند أزواجهنّ، أي أسيرات في أيدي الأزواج. وعلى ذلك قول القائل: هذه المرأة في حبال فلان، لأنه بما عقده من نكاحها كالأسر لها، والمالك لرقّها. فكأنّ الوجوه خضعت من خشية الله تعالى، خضوع الأسير الذليل في يد الاسر العزيز.