الكون لم يخلق عبثا، ولن يترك سدّى:
وَما خَلَقْنَا السَّماءَ وَالْأَرْضَ وَما بَيْنَهُما لاعِبِينَ (١٦) .
ويلفت السياق الناس إلى مظاهر الكون الكبرى، في السماء والأرض، والرواسي والفجاج، والليل والنهار، والشمس والقمر، موجّها الأنظار إلى وحدة النواميس التي تحكمها وتصرّفها، وإلى دلالة هذه الوحدة على وحدة الخالق المدبّر المالك، الذي لا شريك له في الملك كما أنه سبحانه، لا شريك له في الخلق:
لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا [الآية ٢٢] .
ثم تتحدّث السورة عن وحدة النواميس، التي تحكم الحياة في هذه الأرض، وعن وحدة مصدر الحياة:
وَجَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ [الآية ٣٠] .
وعن وحدة النهاية التي ينتهى إليها الأحياء:
كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ [الآية ٣٥] .
والعقيدة وثيقة الارتباط بتلك النواميس الكونية، فهي واحدة كذلك، وإن تعدّد الرّسل على مدار الزمان:
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (٢٥) .
وكما أن العقيدة وثيقة الارتباط بنواميس الكون الكبرى، فكذلك ملابسات هذه العقيدة في الأرض.
فالسنّة التي لا تتخلّف: أن يغلب الحقّ في النهاية، وأن يزهق الباطل، لأنّ الحقّ قاعدة كونية، وغلبته سنّة إلهية:
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذا هُوَ زاهِقٌ [الآية ١٨] .
وأن يحلّ الهلاك بالظالمين المكذّبين، وينجي الله الرسل والمؤمنين:
ثُمَّ صَدَقْناهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْناهُمْ وَمَنْ نَشاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (٩) .
وأن يرث الأرض عباد الله الصالحون:
وَلَقَدْ كَتَبْنا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصَّالِحُونَ (١٠٥) .
ومن ثمّ يستعرض السياق أمّة الرّسل الواحدة، في سلسلة طويلة، استعراضا سريعا، يطول بعض الشيء، عند