للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كانت لنفسها أمنع، وحيث ذكّر فظاهر.

فإن قيل: قوله تعالى وَحَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ (٩٥) يدل على أنه يجب أن يرجعوا، لأنّ كل ما حرّم أن لا يوجد، وجب أن يوجد، فما معنى الآية؟

قلنا: معناه: واجب على أهل قرية، عزمنا على إهلاكهم، أو قدّرنا إهلاكهم، أنهم لا يرجعون على الكفر إلى الإيمان، أو أنهم لا يرجعون بعد إهلاكهم إلى الدنيا، فالحرام هنا بمعنى الواجب، كذا قاله ابن عبّاس رضي الله عنهما، ويؤيّده قول الشاعر:

فإنّ حراما لا أرى الدّهر باكيا ... على شجوة إلّا بكيت على عمرو

وقيل لفظ الحرام على ظاهره، و «لا» زائدة، والمعنى ما سبق ذكره، والحرمة هنا بمعنى المنع، كما في قوله تعالى:

وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ [القصص: ١٢] وقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (٥٠) [الأعراف] .

فإن قيل: قوله تعالى إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (١٠١) وقال في موضع آخر: وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها [مريم: ٧١] وواردها ليكون قريبا منها لا بعيدا.

قلنا معناه مبعدون عن ألمها وعذابها، مع كونهم وارديها، أو معناه مبعدون عنها بعد ورودها، بالإنجاء المذكور بعد الورود، فلا تنافي بينهما.

فإن قيل: لم قال تعالى: وَما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ (١٠٧) مع أن النبي (ص) لم يكن رحمة للكافرين، الذين ماتوا على كفرهم، لأنّه لولا إرساله إليهم، لمّا عذّبوا بكفرهم، لقوله تعالى: وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا (١٥) [الإسراء] .

قلنا: أوّلا: بل كان رحمة للكافرين أيضا، من حيث أنّ عذاب الاستئصال أخّر عنهم بسببه. ثانيا: أنّه كان رحمة عامّة، من حيث أنه جاء بما يسعدهم إن اتّبعوه، ومن لم يتّبعه فهو الذي قصّر في حق نفسه، وضيّع نصيبه من الرحمة ومثله (ص) كمثل عين ماء عذبة، فجّرها الله تعالى، فسقى ناس زروعهم ومواشيهم منها فأفلحوا وفرّط ناس في السقي منمها، فضيّعوا فالعين في نفسها نعمة من الله تعالى للفريقين ورحمة، وإن قصّر البعض وفرّطوا. ثالثا: أن المراد بالرحمة