للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آخر «المائدة» في «الأنعام» بمثل ذلك «١» . وكان البسط في «الأنعام» أكثر لطولها.

ثم أشار في هذه السورة إلى القرون المكذّبة وإهلاكهم، كما أشار في «الأنعام» إلى ذلك «٢» . ثم أفصح عن هذه الإشارة في السورة التي تليها وهي «الشعراء» بالبسط التام، والتفصيل البالغ «٣» . كما أوضح تلك الإشارة التي في «الأنعام» ، وفصّلها في سورة الأعراف التي تليها «٤» .

فكانت هاتان السورتان، الفرقان والشعراء، في المثاني، نظير تينك السورتين، الأنعام والأعراف، في الطوال، واتصالهما باخر النور، نظير اتصال تلك باخر المائدة، المشتملة على فصل القضاء «٥» .

ثم ظهر لي لطيفة أخرى، وهي: أنه إذا وقعت سورة مكية بعد سورة مدنية، افتتح أولها بالثناء على الله، ك «الأنعام» بعد «المائدة» ، و «الإسراء» بعد «النحل» ، وهذه بعد «النور» ، و «سبأ» بعد «الأحزاب» ، و «الحديد» بعد «الواقعة» ، و «تبارك» بعد «التحريم» «٦» ، لما في ذلك من الإشارة إلى نوع من الاستقلال، وإلى الانتقال من نوع إلى نوع.


(١) . هذا التفصيل جاء في الأنعام مفرقا في الآيات: ١٣، ١٨، ٥٩، ٦٠، ٦١، ٦٥، ٧٣، ٩٥، ٩٦، ٩٧، ٩٨، ٩٩.
(٢) . تفصيل أحوال القرون المكذبة وإهلاكهم في «الفرقان» في قوله تعالى: فَقُلْنَا اذْهَبا إِلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا [الآية ٣٦] الى وَكُلًّا تَبَّرْنا تَتْبِيراً (٢٩) . وفي الأنعام في قوله تعالى: قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (١١) .
(٣) . جاء ذلك في الآيات ٦٤- ١٨٩ حيث جاء عن قوم كل رسول تكذيبهم إياه، ووسيلة إهلاكهم. [.....]
(٤) . تفصيل أحوال القرون المكذبة، جاء في «الأعراف» من قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً [الآية ٥٩] الى فَأُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ (١٧٨) .
(٥) . آخر المائدة لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠) وهو يشتمل على فضل القضاء ضمنا.
وأول الانعام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ [الآية الأولى] .
(٦) . قول المؤلف: و «الإسراء» بعد «النحل» ، لا يتفق مع قاعدته، فكلاهما مكّيّ، وقوله: و «الحديد» بعد «الواقعة» ، عكس قاعدته، فالواقعة مكية، والحديد مدنية، وهناك سور مكية جاءت بعد المدنية وافتتحت بالثناء على القرآن، ك «يونس» بعد «التوبة» ، و «إبراهيم» بعد «الرعد» ، و «النحل» بعد «الشعراء» ، و «ق» بعد «الرحمن» ، والثناء على القرآن ثناء على الله ضمنا.
وهناك مكيات بعد مدنيات لم تفتح بالثناء على الله، كالواقعة بعد الرحمن.