لم ذكّرت الصفة والموصوف مؤنث، ولم تؤنث الصفة كما أنّثت في قوله تعالى: وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ [يس: ٣٣] ؟
قلنا: إنما التذكير نظرا إلى معنى البلدة، وهو البلد والمكان لا إلى اللفظ.
فإن قيل: قوله تعالى: وَأَنْزَلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً طَهُوراً (٤٨) لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً (٤٩) فإنزاله موصوفا بالطهورية، وتعليل ذلك بالإحياء والسقي، يشعر بأن الطهورية شرط في حصول تلك المصلحة، كما تقول:
حملني الأمير على فرس سابق، لأصيد عليه الوحش، وليس كذلك.
قلنا: وصف الطهورية ذكر إكراما للأناسيّ الذين شربهم من جملة المصالح التي أنزل لها الماء، وإتماما للمنّة والنعمة عليهم، لا لكونه شرطا في تحقيق تلك المصالح والمنافع، بخلاف النظير فإنه قصد بكونه سابقا الشرطية لأن صيد الوحش على الفرس لا يكون إلّا بها.
فإن قيل: لم خصّ تعالى الأنعام بذكر السقي دون غيرها من الحيوان الصامت؟
قلنا: أولا لأن الوحش والطير تبعد في طلب الماء ولا يعوزها الشرب، بخلاف الأنعام. ثانيا: أن الأنعام قنية الأناسيّ وعامة منافعهم متعلّقة بها.
فإن قيل: لم قدّم تعالى إحياء الأرض وسقي الأنعام على سقي الأناسي؟
قلنا: أولا لأن حياة الأناسي بحياة أرضهم وأنعامهم، فقدم ما هو سبب حياتهم ومعاشهم. ثانيا: أن سقي الأرض بماء المطر سابق في الوجود على سقي الأناسي به.
فإن قيل: ما وجه الاستثناء في قوله تعالى: قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلًا (٥٧) ؟
قلنا: هو استثناء منقطع تقديره: لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا، فأنا أدله على ذلك وأهديه إليه. وقيل تقديره: لكن من شاء أن يتخذ إلى ربه سبيلا، بإنفاق ماله في مرضاته تعالى، فليفعل ذلك.