قلنا: أوّلا: معناه ثم تولّ عنهم مستترا من حيث لا يرونك فانظر ماذا يرجعون. ثانيا: أن فيه تقديما وتأخيرا تقديره: فانظر ماذا يرجعون، ثم تولّ عنهم.
فإن قيل: كيف استجاز سليمان (ع) تقديم اسمه في الكتاب على اسم الله تعالى، حتّى كتب فيه، كما ورد في التنزيل: إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣٠) .
قلنا: لأنه أدرك أنها لا تعرف الله تعالى وتعرف سليمان، فخاف أن تستخف باسم الله تعالى إذا كان أول ما يقع نظرها عليه، فجعل اسمه وقاية لاسم الله تعالى.
وقيل: إن اسم سليمان كان على عنوانه، واسم الله تعالى كان في أول طيّه.
فإن قيل: كيف يجوز أن يكون آصف، وهو كاتب سليمان (ع) ووزيره، وليس بنبيّ يقدر على ما لا يقدر عليه النبيّ، وهو إحضار عرش بلقيس في طرفة عين؟ قلنا: يجوز أن يخصّ غير الرسول بكرامة لا يشاركه فيها الرسول، كما خصّت مريم بأنها كانت ترزق من فاكهة الجنة، وزكريا عليه السلام لم يرزق منها وكما أن سليمان صلوات الله عليه خرج مع قومه يستسقون فرأى نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها إلى السماء تستسقي، فقال لقومه:
ارجعوا فقد سقيتم بدعوة غيركم، ولم يلزم من ذلك فضلها على سليمان.
وقد نقل أن النبي (ص) كان إذا أراد الخروج إلى الغزوات قال لفقراء المهاجرين والأنصار: ادعوا لنا بالنصرة، فإن الله تعالى ينصرنا بدعائكم. ولم يكونوا أفضل منه (ص) ، مع أن كرامة التابع من جملة كرامات المتبوع. قالوا: والعلم الذي كان عنده هو اسم الله الأعظم، فدعا به فأجيب في الحال، وهو عند أكثر العلماء، كما قال البندنيجي، اسم الله، ثم قيل هو يا حيّ يا قيوم، وقيل يا ذا الجلال والإكرام، وقيل يا الله يا رحمن، وقيل يا إلهنا وإله كل شيء إلها واحدا لا إله إلا أنت فمن أخلص النيّة، ودعا بهذه الكلمات مع استجماع شرائط الدعاء المعروفة فإنه يجاب لا محالة.