وملوكا، ويري فرعون وقومه ما كانوا يخافونه منهم، فأظهر فيهم موسى (ع) ، وأوحى إلى أمّه أن ترضعه، وأمرها، إذا خافت عليه من الذبح، أن تضعه في تابوت، وتلقيه في اليمّ، وطمأنها بأنه سيحفظه، ويردّه إليها لتقوم برضاعه فلما ألقته في اليمّ، سار به إلى أن التقطه آل فرعون، ففرحت به امرأته ومنعتهم من قتله، وأرادت أن تربّيه، عسى أن ينفعهم أو يتّخذوه ولدا ثم ذكر سبحانه أنّ أمّ موسى حزنت عليه، وأرسلت أخته وراءه، فرأت عن بعد ما فعلوه به، وأنه لم يقبل الرّضاع من المراضع. فتقدّمت أخته لتدلّهم على مرضع تكفله وتنصح له، فدلّتهم على أمّه، فردّ إليها لتقرّ عينها به، ولتعلم أنّ وعد الله حق. ثم ذكر سبحانه أنه لما بلغ أشدّه آتاه حكمة وعلما، وأنّه دخل المدينة يوما فوجد رجلا من قوم فرعون يعتدي على رجل من بني إسرائيل، فاستغاثه الإسرائيليّ على عدوّه، فوكزه فقضى عليه. ولم يكن موسى يقصد قتله لكنه وقع خطأ منه، فندم عليه، وطلب من الله أن يغفر له.
ثم ذكر سبحانه أن موسى (ع) أصبح في المدينة خائفا أن يظهر أنه القاتل، فإذا الإسرائيلي الذي استغاثه بالأمس يستغيثه على رجل آخر من قوم فرعون يعتدي عليه، فلما أراد أن يبطش به، قال له، كما ورد في التنزيل يا مُوسى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَما قَتَلْتَ نَفْساً بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّاراً فِي الْأَرْضِ وَما تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (١٩) ثمّ ذكرت السورة أنّ رجلا جاء من أقصى المدينة يسعى، فأخبر موسى بأن القوم يأتمرون به ليقتلوه، وأمره أن يخرج من المدينة قبل أن يقبضوا عليه.
فخرج موسى من المدينة، وتوجّه تلقاء مدين، إلى أن ورد ماءها، فوجد عليه ناسا يسقون أغنامهم، ووجد من دونهم امرأتين تذودان أغنامهما، فسألهما عن أمرهما، فأخبرتاه بأنهما لا يسقيان حتى يصدر الرّعاء لضعفهما، وأنّ أباهما شيخ كبير لا يقوى على رعي الغنم وسقيها، فسقى لهما، ثمّ ذهب إلى ظلّ شجرة، ودعا الله أن يرزقه خيرا من عنده ثم ذكر أنّ إحداهما جاءته بعد أن رجعتا بأغنامهما إلى أبيهما، تمشي على استحياء، فأخبرته بأنّ أباها يدعوه ليجزيه على ما فعله معهما، فذهب إليه، وقصّ عليه ما حصل منه في مدينة فرعون، فقال له، كما ورد في التنزيل: