وهذه استعارة، والمراد بتوصيل القول، والله أعلم، إرداف بعضه ببعض، وتكرير بعضه على أعقاب بعض، مظاهرة للحجّة على سامعيه، وإبعادا في منازع الاحتجاج على مخالفيه، ليتذكّروا بعد الغفلة، وينتبهوا من الرّقدة وذلك تشبيها بتوصيل الحبال بعضها ببعض، عند إدلاء الدلو إلى الطّويّ البعيدة، إلى أن يصل إلى الماء، ويفضي إلى الرواء، وهذا من دقيق المعاني.
وهذه استعارة لأنّ الحسنة والسّيئة ليستا بجسمين، يصح دفع أحدهما بالآخر وإنّما المراد، والله أعلم، أنهم يختارون الأفعال الحسنة على الأفعال القبيحة، فيكونون، بذلك الاختيار، كأنهم قد دفعوا السّيئات بالحسنات، عكسا لرقابها، وردّا على أعقابها وقد يجوز أن يكون أيضا معنى ذلك: أنهم يدفعون ضرر العقوبة بعاجلة التوبة، لأنّ التوبة حسنة، والعقوبة قد تسمّى سيّئة، لأنها جزاء على السيئة، ولأنها مضرّة وان لم تكن قبيحة.
وقوله تعالى: وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَها [الآية ٥٨] . وهذه استعارة، والمراد بها أهل القرية والبطر سوء احتمال النعمة، حتى يستقلع مغارسها، ويستنزع ملابسها وقد مضت الإشارة الى نظير ذلك، فيما تقدّم.
وهذه استعارة، والمراد هاهنا بأمّ القرى مكّة على الأغلب وقال بعضهم المراد معظمها، والمنظور إليها منها، لأنّ ما هو دونها جار مجرى التّبع لها، ومثل ذلك قوله تعالى: لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها [الأنعام: ٩٢ والشورى:
٧] ، يريد مكّة، وإنما سمّيت مكة أمّ القرى، لما ضمّته من بيت الله، وحرمه، ومهابط وحيه، ومدارج أقدام رسله (ع) فصارت من أجل ما ذكرناه، كأنها كبيرة القرى، وصارت القرى بالإضافة إليها صغارا، كصغر البنات إذا أضيفت إلى الأمهات.