للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الرسالة الجديدة، والكشف عمّا بينها وبين الرسالات قبلها من صلة، إلّا الذين ظلموا منهم، وبدّلوا في كتبهم، وانحرفوا إلى الشرك والشرك ظلم عظيم. ودعت الآية المؤمنين، أن يعلنوا إيمانهم بالدعوات كلّها، وبالكتب المنزّلة جميعها، فهي حق من عند الله يصدّق ما معهم من القرآن والإسلام. قال تعالى:

وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلهُنا وَإِلهُكُمْ واحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (٤٦) .

ثم يحذّر القرآن المشركين استعجالهم بعذاب الله، ويهدّدهم بمجيئه بغتة، ويصوّر لهم قربه منهم، وإحاطة جهنّم بهم ويصف حالهم، يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم ثمّ يلتفت إلى المؤمنين الذين يتلقّون الفتنة والإيذاء في مكّة، يحضّهم على الهجرة بدينهم إلى الله، ليعبدوه وحده، يلتفت إليهم في أسلوب عجيب، يعالج كلّ هاجسة تخطر في ضمائرهم، وكلّ معيق يقعد بهم، ويقلّب قلوبهم بين أصابع الرحمن، في لمسات تشهد بأن منزّل هذا القرآن هو خالق هذه القلوب فما يعرف مساربها ومداخلها الخفيّة إلا خالقها اللطيف الخبير، الذي تكفّل برزق كلّ دابة في كلّ مكان وزمان.

وينتقل من هذا التعجّب من حال أولئك المشركين، وهم يتخبّطون في تصوّراتهم، فيقرّون لله سبحانه بخلق السماوات والأرض، وتسخير الشمس والقمر، وإنزال الماء من السماء وإحياء الأرض الموات وإذا ركبوا في الفلك دعوا الله وحده مخلصين له الدين. ثمّ هم بعد ذلك يشركون بالله ويكافرون بكتابه، ويؤذون رسوله، ويفتنون المؤمنين به. ويذكّر المشركين بنعمة الله عليهم، بهذا الحرم الأمن الذي يعيشون فيه، والناس من حولهم في خوف وقلق، وهم يفترون على الله الكذب، ويشركون به آلهة مفتراة، ويعدهم على هذا جهنّم، وفيها مثوى للكافرين.

وتختم السورة، بوعد من الله سبحانه، بهداية المجاهدين ورعايتهم، فيقول سبحانه:

وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ (٦٩) .