قلنا: لأن تكرار اللفظ الواحد، مجتنب في مذهب الفصحاء والبلغاء، إلّا أن يكون لغرض تفخيم، أو تهويل، أو تنويه، أو نحو ذلك.
فإن قيل: لم نكّر الرزق ثم عرّفه في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ لَكُمْ رِزْقاً فَابْتَغُوا عِنْدَ اللَّهِ الرِّزْقَ [الآية ١٧] ؟
قلنا: لأنّه سبحانه أراد أنهم لا يستطيعون أن يرزقوكم شيئا من الرزق، فابتغوا عند الله الرزق كلّه، فإنه هو الرازق وحده لا يرزق غيره.
فإن قيل: لم أضمر اسمه تعالى في قوله عز وجل قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ [الآية ٢٠] ، ثمّ أظهره في قوله تعالى ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ [الآية ٢٠] ، وكان القياس «كيف بدأ الله الخلق ثم ينشئ النشأة الاخرة» ؟
قلنا: إنّما عدل، سبحانه، إلى ما ذكر، لتأكيد الإخبار عن الإعادة التي كانت هي المنكرة عندهم، بالإفصاح باسمه تعالى في ذكرها، وجعله مبتدأ لزيادة الاهتمام بشأنها؟
فإن قيل: لم قال تعالى وَآتَيْناهُ أَجْرَهُ فِي الدُّنْيا [الآية ٢٧] ، في معرض المدح أو في معرض الامتنان عليه، وأجر الدنيا فان منقطع، بخلاف أجر الاخرة فإنه النعيم المقيم الباقي، فكان الأولى بالذكر؟
قلنا: المراد به: وآتيناه أجره في الدنيا، مضموما إلى أجره في الاخرة، من غير أن ينقص من أجر الاخرة شيء. قال ابن جرير: وإليه الإشارة بقوله تعالى وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ [الآية ٢٧] ، يعني له في الاخرة جزاء الصالحين وافيا وكاملا، وأجره في الدنيا. قيل: هو الثناء الحسن من الناس، والمحبّة من أهل الأديان. وقيل: هي البركة التي بارك الله فيه، وفي ذرّيته.
فإن قيل: لم قال تعالى: إِنَّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ [الآية ٣١] ، يعني مدينة قوم لوط (ع) ، ولم يقل «تلك القرية» ، مع أن مدينة قوم لوط كانت بعيدة عن موضع إبراهيم صلوات الله وسلامه عليه، غائبة عند وقت هذا الخطاب؟
قلنا: إنّما قال سبحانه: هذِهِ الْقَرْيَةِ لأنها كانت قريبة حاضرة بالنسبة إليهم، وإن كانت بعيدة بالنسبة