للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَالْمُنافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلِيماً حَكِيماً (١) . فمهّد بهذا، لأمره بإبطال تبنّيه لزيد بن حارثة، ليتّبعه المؤمنون في إبطال تبنّيهم وكان التبني عادة مستحكمة في العرب وفي سائر الشعوب، فلمّا أبطلها النبيّ (ص) شنّع عليه أعداؤه من الكافرين والمنافقين، فابتدأ هذه السورة بأمره بأن يتّقيه وحده ولا يطيع أعداءه، وبأن يتّبع ما يوحي إليه ويتوكّل عليه ثمّ أخبره بأنه لم يجعل لرجل قلبين في جوفه يجمع بهما بين خوفه وخوف غيره، وأنّه لم يجعل لرجل أمّين إذا قال لزوجته- أنت عليّ كظهر أمي- ليتخلّص بذلك إلى المقصود، وهو إبطال التبنّي فكأنّه قال: كما لم أجعل لرجل قلبين ولا أمّين لم أجعل لابن أبوين، فلا يصح أن يكون أدعياؤهم أبناءهم بمجرّد قولهم ذلك بأفواههم ثمّ أمرهم بأن يدعوهم لآبائهم لأنه أعدل عنده من دعوتهم لمن يتبنّونهم، فإن لم يعلموا آباءهم فهم إخوانهم في الدّين لا أبناؤهم ولا جناح عليهم إن سبق لسانهم إلى ذلك من غير قصد ثم ذكر أنّ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وأزواجه أمهاتهم، فكلّهم سواء في أبوّته وأمومتهنّ لهم، ولا يصح أن يختصّ بذلك أحد منهم، والأقرباء بعضهم أولى ببعض في الإرث، فلا يصح أن يدخل في إرثهم بالتبنّي أجنبي عنهم ثم أكّد ذلك بتذكيره بأنّه أخذ منه ومن النبيّين قبله ميثاقهم أن يبلّغوا رسالتهم ولا يخشوا فيها أحدا، ليسأل الّذين يصدقون في تبليغها عن صدقهم، ويعدّ لمن يكفر بهم عذابا أليما.

ثمّ استطرد السّياق من ذلك إلى تذكيرهم بما حصل لهم في غزوة الأحزاب، ليؤكّد به ما أمر من تقواه وحده فيما يأمر به، فأمرهم أن يذكروا نعمته عليهم إذا اجتمعت عليهم جنود أعدائهم من الأحزاب، ونقضت بنو قريظة عهدها معهم وانضمّت إلى أعدائهم، وظهرت خيانة المنافقين ومحاولتهم صرفهم عن القتال، فاشتدّ الأمر بهم وزلزلوا زلزالا شديدا، ولكنّه سبحانه ثبّتهم فصبروا على قتالهم ولم يتأثروا بتثبيط المنافقين لهم، حتّى ردّ الأحزاب بغيظهم وكفاهم قتالهم، وأنزل بني قريظة من حصونهم بعد أن حاصروهم فيها، فقتلوا منهم فريقا وأسروا فريقا: