يزرونه من شرك وغيره لا يحمل وزره غيرهم، كما أنّ من تزكّى فإنّما يتزكّى لنفسه، ولا يمكن أن يستويا في ذلك، كما لا يستوي الأعمى والبصير، ولا الظّلّ ولا الحرور ولا الأحياء ولا الأموات ثم ذكر، جلّت قدرته، أنه لا شيء على النبي (ص) من تكذيبهم، وأنّهم إن يكذّبوه في ذلك فقد كذّب الّذين من قبلهم، فأهلكهم بآيات العذاب الّتي أرسلها عليهم.
ثمّ ذكر من ذلك إنزاله ماء المطر الّذي أخرج به ثمرات مختلفا ألوانها، وتنويعه الجبال إلى جبال ذات طرائق بيض وحمر، وغير ذلك من ألوانها، وتنويعه الناس والدّوابّ والأنعام إلى أنواع مختلفة الألوان وأنّ ذلك إنّما يعرفه العلماء الّذين يخشونه، ويتلون كتابه فيتدبّرونه ويعملون به ثمّ ذكر فضل هذا الكتاب، وأنّه جاء مصدّقا لما قبله من الكتاب، وأنّه أورثه هذه الأمّة الّتي اصطفاها من عباده، فانقسمت فيه إلى ظالم لنفسه ترجّحت سيّئاته، وإلى مقتصد تساوت حسناته وسيّئاته، وإلى سابق بالخيرات ترجّحت حسناته، وبيّن ما أعدّ لهم من الثواب، وما أعدّ للكافرين من العقاب ثمّ أمر النبيّ (ص) أن يقول لهم: أَرَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ماذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ [الآية ٤٠] : ليسجّل عجزها عما يزعمونه من شفاعتها لهم، لأنّه، سبحانه، هو الّذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ولا يمكن أن يمسكهما غيره إن زالتا.
ثمّ ختمت السورة ببيان أنهم يكافرون بذلك عنادا، لأنّهم كانوا يقسمون مجتهدين إن جاءهم نذير ليكوننّ أهدى من اليهود أو النّصارى الّذين كذّبوا رسلهم. فلمّا جاءهم نذير لم يزدهم إلّا نفورا، فاستكبروا في الأرض، ومكروا مكرا سيّئا، ولا يحيق المكر السّيّئ إلّا بأهله، وتلك سنّته فيمن كذّب قبلهم برسله، لا تتبدّل ولا تتحوّل، فلينظروا كيف كانت عاقبتهم، وقد كانوا أشدّ منهم قوّة، وما كان الله ليعجزه شيء في السماوات والأرض، إنّه كان عليما قديرا: وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ وَلكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ كانَ بِعِبادِهِ بَصِيراً (٤٥) .