وهذه استعارة. والمراد نخرج منه النّهار، ونستقصي تخليص أجزائه، حتّى لا يبقى من ضوء النهار شيء مع ظلمة الليل، فإذا النّاس قد دخلوا في الظلام. وهذا معنى قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مُظْلِمُونَ كما يقال: أفجروا، إذا دخلوا في الفجر، وأنجدوا، وأتهموا، إذا دخلوا نجدا وتهامة.
والسّلخ: إخراج الشيء ممّا لابسه، والتحم به. فكلّ واحد من اللّيل والنّهار، متّصل بصاحبه اتّصال الملابس بأبدانها، والجلود بحيوانها.
ففي تخليص أحدهما من الاخر، حتّى لا يبقى معه منه طرف، ولا عليه منه أثر، آية باهرة، ودلالة ظاهرة. فسبحان الله ربّ العالمين.
وقوله سبحانه في ذكر البعث: قالُوا يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا هذا ما وَعَدَ الرَّحْمنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ (٥٢) وهذه استعارة. لأن المرقد هاهنا عبارة عن الممات، فشبّهوا حال موتهم بحال نومهم، لأنها أشبه الأشياء بها. وكذلك قوة شبه حال الاستيقاظ بحال الأحياء والإنشار، وعلى ذلك قوله (ص) :
«إنّكم تموتون كما تنامون، وتبعثون كما تستيقظون»«١» . وقال بعضهم:
الاستعارة هاهنا أبلغ من الحقيقة. لأنّ النوم أكثر من الموت، والاستيقاظ أكثر من الإحياء بعد الموت. لأن الإنسان الواحد يتكرّر عليه النوم واليقظة مرات، وليس كذلك حال الموت والحياة.
والمراد بالطّمس هاهنا: إذهاب نور الأبصار حتّى يبطل إدراكها، تشبيها بطمس حروف الكتاب، حتّى تشكل قراءتها.
وفيه أيضا زيادة معنى، لأنه يدلّ على محو آثار عيونهم، مع إذهاب أبصارها، وكسف أنوارها. وقيل معنى الطّمس إلحام الشّقوق الّتي بين الأجفان حتّى تكون مبهمة، لا شقّ فيها، ولا
(١) . هذا الحديث من خطبة له (ص) ، وهي أوّل خطبة بمكّة حينما دعا قومه إلى الإسلام. وهي في كتاب «جمهرة خطب العرب» ج ١ ص ٥١. وقد نقلها عن «السيرة الحلبية» ج ١ ص ٢٧٢، وعن «الكامل» لابن الأثير ج ٢ ص ٢٧. [.....]