للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وإنما سمّي روحا لأن الناس يحيون به من موت الضلالة، وينشرون من مدافن الغفلة.

وذلك أحسن تشبيه، وأوضح تمثيل.

وفي قوله سبحانه: يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَما تُخْفِي الصُّدُورُ (١٩) استعارة. والمراد بخائنة الأعين، والله أعلم، الرّيب في كسر الجفون، ومرامز العيون.

وسمّى سبحانه ذلك خيانة، لأنه أمارة للرّيبة، ومجانب للعفّة.

وقد يجوز أن تكون خائنة الأعين هاهنا صفة لبعض الأعين بالمبالغة في الخيانة، على المعنى الذي أشرنا إليه.

كما يقال علّامة، ونسّابة.

وأنشدوا قول الشاعر في مثل ذلك:

حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن ... للغدر خائنة مغلّ الإصبع

أي لم تكن موصوفا بالمبالغة في الخيانة. ومعنى مغلّ الإصبع: سارق مختلس.

وأضاف الأغلال إلى الإصبع، كما أضاف الآخر «١» الخيانة إلى اليد في قوله:

أولّيت العراق ورافديه ... فزاريّا أحذّ يد القميص

أي خفيف اليد في السرقة والأحذّ الخفيف السريع. وعنى برافديه: دجلة والفرات.

وإنما ذكرت اليد والإصبع في هذين الموضعين، لأنّ فعل السارق والمختلس في الأكثر إنّما يكون باستعمال يده، واستخدام أصابعه.


(١) . هو الشاعر الفرزدق. والبيت من أبيات في ديوانه، وقد أشار إليه ابن قتيبة في مقدمته لكتابه «الشعر والشعراء» ص ٣٤، وهو يتحدّث عن التكلّف وضرورات القافية. والفرزدق يخاطب الخليفة يزيد بن عبد الملك شاكيا عمر بن هبيرة.
وفي «أساس البلاغة» للزمخشري، روي هذا البيت هكذا:
بعثت على العراق ورافديه ... فزاريّا أحذّ يد القميص