وأنّ السماوات تكاد تتفطّر من خشيته، والملائكة يسبّحون بحمده وهدّد من يتخذ من دونه أولياء بأنه رقيب عليهم، وسيحاسبهم على شركهم ثم ذكر سبحانه أنه أوحى إليه قرآنا عربيا لينذر به أهل مكة، ومن حولهم بعذاب يوم القيامة، وهو اليوم الذي يجتمعون فيه، فيكون فريق منهم في الجنة وفريق في السعير ولو شاء الله تعالى، لجعلهم أمّة واحدة، ولكن مشيئته، سبحانه، اقتضت أن يدخل من يشاء في رحمته، وأن يحرم من يشاء منها ومن يحرمه منها لا يمكن أن يدخله فيها، ما يتخذه من وليّ أو نصير ثم أنكر عليهم أن يتّخذوا من دونه أولياء لا يمكنهم نصرهم: لأنه سبحانه هو الوليّ وحده وذكر أن ما اختلفوا فيه من ذلك، فحكمه إليه في يوم القيامة، وليس لأحد من خلقه الحكم فيه، بل يجب تفويض كل شيء إليه، لأنه فاطر السماوات والأرض إلى غير هذا مما استدلّ به على وجوب تفويض الأمر إليه.
ثم انتقل السياق من ذلك التمهيد إلى المقصود، وهو أنه سبحانه شرع لهم، من الدين، ما وصّى به نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى (ع) وذلك ما اتفقت عليه شرائعهم، من الإيمان بالله واليوم الآخر، ونحوهما مما لا اختلاف فيه بينهم. وذكر السياق توبيخ المشركين أن يستبعدوا ما يدعوهم الله إليه من هذا الدين، الذي اتفق الرسل عليه، ثم ذكر أنّ أتباع أولئك الرّسل لم يتفرّقوا في ذلك الدين إلّا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا حكم الله بتأخير الفصل بينهم إلى يوم القيامة، لفصل بينهم في الدنيا ثم أمر الله سبحانه النبي (ص) أن يستمر في دعوته إلى هذا الدين، فلا يتّبع أهواءهم المتفرّقة، ولا يؤمن ببعض الكتاب دون بعض.
وليعدل بينهم في الحكم لأنّ إلهه وإلههم واحد، وكلّ واحد مسؤول عن عمله، والله هو الذي سيحكم بينهم، ثم ذكر أن الذين يحاجّون في دين الله من بعد اتفاق أولئك الرسل عليه، حجّتهم داحضة، وعليهم غضب منه جلّ جلاله، ولهم عذاب شديد وأنه، سبحانه، أنزل الكتاب بهذا الدين الحق، وأنزل الميزان، وهو العقل الذي يميّز بين الحق والباطل، فلا عذر لهم في تباطئهم عن الإيمان به، ولعلّ السّاعة تفاجئهم وهم على كفرهم، فيندمون حينما لا ينفع الندم ثم ذكر