التي جاء بها موسى (ع) . فإن كان المراد به أن كلّ واحدة منهن أكبر من سواها، لزم أن يكون كل واحدة فاضلة ومفضولة وإن كان المراد به أنّ كلّ واحدة منهن أكبر من أخت معنية لها، فأيّتها هي الكبرى، وأيتها هي الصغرى؟
قلنا: المراد بذلك- والله أعلم- أنهن موصوفات بالكبر، لا يكدن يتفاوتن فيه، ونظيره بيت الحماسة:
من تلق منهم تقل لاقيت سيّدهم مثل النّجوم التي يسري بها الساري فإن قيل: لم قال عيسى (ع) لأمّته كما ورد في التنزيل: وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ [الآية ٦٣] .
قلنا: كانوا يختلفون في ما يعنيهم من أمر الديانات، وفي ما لا يعنيهم من أمور أخرى، فكان يبيّن لهم الشرائع والأحكام خاصة. وقيل إن البعض هنا بمعنى الكل، كما سبق في سورة غافر في قوله تعالى: وَإِنْ يَكُ صادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ [غافر/ ٢٨] .
فإن قيل: ما الحكمة في قوله تعالى: وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) بعد قوله تعالى بَغْتَةً أي فجأة.
قلنا: الحكمة أنّ الساعة تأتيهم، وهم غافلون، مشغولون بأمور دنياهم، كما قال تعالى: ما يَنْظُرُونَ إِلَّا صَيْحَةً واحِدَةً تَأْخُذُهُمْ وَهُمْ يَخِصِّمُونَ (٤٩)[يس] فلولا قوله تعالى وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٦٦) ، لجاز أن تأتيهم بغتة، وهم فطنون، حذرون، مستعدّون لها.
فإن قيل: لم وصف تعالى أهل النار فيها بكونهم مبلسين، والمبلس هو الآيس من الرحمة والفرج، ثم قال تعالى وَنادَوْا يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ [الآية ٧٧] فطلبوا الفرج بالموت.
قلنا: تلك أزمنة متطاولة، وأحقاب ممتدة، فتختلف فيها أحوالهم، فيغلب عليهم اليأس تارة فيسكنون، ويشتدّ ما بهم من ألم العذاب تارة فيستغيثون.
فإن قيل: قوله تعالى: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ [الآية ٨٤] ظاهره يقتضي تعدّد الآلهة، لأنّ النكرة إذا أعيدت تعدّدت كقول القائل: له عليّ درهم ودرهم، وأنت طالق وطالق، ولهذا قال ابن عباس رضي الله عنهما لن يغلب عسر يسرين؟