للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

آثارهم. وإنما عبّر سبحانه عن الحزن بالبكاء، لأن البكاء يصدر عن الحزن، في أكثر الأحوال. ومن عادة العرب أن يصفوا الدّار إذا ظعن عنها سكّانها، وفارقها قطّانها بأنها باكية عليهم، ومتوجعة لهم، على طريق المجاز والاتساع، بمعنى ظهور علامات الخشوع والوحشة عليها، وانقطاع أسباب النعمة والأنسة عنها.

ووجه آخر هو أن يكون المعنى: لو كانت السماوات والأرض من الجنس الذي يصح منه البكاء لم تبكيا عليهم، ولم تتوجّعا لهم، إذ كان الله سبحانه عليهم ساخطا، ولهم ماقتا.

ووجه آخر: قيل معنى ذلك: ما بكى عليهم من السماوات والأرض، ما يبكي على المؤمن عند وفاته، من مواضع صلواته، ومصاعد أعماله، على ما ورد الخبر به «١» .

وفي ذلك وجهان آخران يخرج بهما الكلام عن طريق الاستعارة، فأحدهما أن يكون المعنى: فما بكى عليهم أهل السماء والأرض، ونظائر ذلك في القرآن كثيرة. والآخر أن يكون المعنى أنه لم ينتصر أحد لهم، ولم يطلب طالب بثأرهم.

ومضى في أشعار العرب: بكينا فلانا بأطراف الرماح، وبمضارب الصفاح.

أي طلبنا دمه، وأدركنا ثأره.


(١) . روى يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله (ص) : «ما من مؤمن إلا وله في السماء بابان: باب ينزل منه رزقه، وباب يدخل منه كلامه وعمله، فإذا مات فقداه، فبكيا عليه. ثم تلا قوله تعالى: فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَالْأَرْضُ. انظر «الجامع لأحكام القرآن» ج ١٦ ص ١٤٠ وقال علي وابن عباس رضي الله عنهما: إنه يبكي مصلاه من الأرض، ومصعد عمله من السماء. (المصدر نفسه) .