ثم عاد السياق إلى ذكر فضله تعالى عليهم في ذلك الصلح، فأمرهم أن يذكروا إحسانه إليهم إذ ثارت حميّة الجاهلية في قلوب قريش وصدّوهم عن عمرتهم، فأنزل سكينته عليهم فلم يغضبوا ولم ينهزموا بل صبروا، وكانوا أحق بهذا من أولئك الذين ثارت فيهم حميّة الجاهلية ثم ذكر أنه حقق بذلك الصلح رؤيا النبي (ص) أنهم دخلوا المسجد الحرام محلّقين رؤوسهم ومقصّرين، لأنهم اتّفقوا فيه على أن يرجع المسلمون هذا العام ويعتمروا في العام المقبل. فعلم، سبحانه، من ذلك الصلح ما لم يعلموا، وجعل من دونه فتحا قريبا (فتح خيبر) وإنما يفعل ذلك لأنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً (٢٩) .