وقد عرضت سورة «ق» لمشاهد القيامة، وفي مقدّمتها حضور سكرة الموت فجأة، بلا مقدّمات، والموت طالب لا يملّ الطّلب، ولا يبطئ الخطى، ولا يخلف الميعاد: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ (١٩) أي تهرب وتفزع، والآن تعلم أنه حق لا مهرب منه ولا مفرّ. وتنتقل الآيات من سكرة الموت الى وهلة الحشر وهول الحساب، وهي مشاهد تزلزل الكبرياء الجامح، وتحارب الغرور والطغيان، وتدعو للتّقى والإيمان. فملك الموت ينفخ في الصور، فيقوم الناس من القبور ويهرع الجميع الى الحساب، وتأتي كلّ نفس ومعها سائق يسوقها، وشاهد يشهد عليها، وقد يكونان هما الملكين الكاتبين الحافظين لها في الدنيا، وقد يكونان غيرهما والأول أرجح. عندئذ يتيقّن المنكر، ويرى البعث والحشر والجزاء مشاهد أمامه ينظر إليها ببصر حديد نافذ، لا يحجبه حجاب من الغفلة أو التهاون. [الآيات ١٩- ٢٢] .
ويشتدّ غضب الجبّار على العصاة المعاندين، فيأمر الله الملكين السائق والشهيد أن يلقيا في النار كلّ كفّار عنيد، منّاع للخير متجاوز للحدود، شاكّ في الدّين، قد جعل مع الله إلها آخر، فاستحقّ العذاب الشديد.
ويشتدّ الخصام بين الشيطان وأتباعه من العصاة، يحاول كلّ أن يتنصّل من تبعة جرائمه، وينتهي الحوار بين المجرمين بظهور جهنّم تتلمّظ غيظا على من عصا الله، ويلقى فيها العصاة، ولكنها تزداد نهما وشوقا لعقاب المخالفين، وتقول في كظّة «١» الأكول النّهم، كما ورد في التنزيل: هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) .
وعلى الضفّة الأخرى من هذا الهول، مشهد آخر وديع أليف رضيّ جميل. إنه مشهد الجنّة تقرب من المتّقين، حتّى تتراءى لهم من قريب، مع الترحيب والتكريم [الآيات ٣١- ٣٥] .