للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بصره بعد وقوف، وأحدّ بعد كلال ونبوّ. فهذا معنى قوله سبحانه: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ (٢٢) .

وفي قوله تعالى: يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) استعارة:

لأن الخطاب للنار والجواب منها، في الحقيقة لا يصحان. وإنما المراد- والله أعلم- أنها في ما ظهر من امتلائها، وبان من اغتصاصها بأهلها، بمنزلة الناطقة بأنه لا مزيد فيها، ولا سعة عندها. وذلك كقول الشاعر:

امتلأ الحوض وقال قطني ... مهلا رويدا قد ملأت بطني

ولم يكن هناك قول من الحوض على الحقيقة، ولكن المعنى أن ما ظهر من امتلائه في تلك الحال، جار مجرى القول منه فأقام تعالى الأمر المدرك بالعين، مقام القول المسموع بالأذن.

وقيل: المعنى أنّا نقول لخزنة جهنّم هذا القول، ويكون الجواب منهم على حدّ الخطاب. ويكون ذلك من قبيل:

وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ [يوسف/ ٨٢] بإسقاط المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.

وذلك كقولهم: يا خيل الله اركبي.

والمراد يا رجال الله اركبي.

وعلى القول الأول، يكون مخرج هذا القول لجهنّم على طريق التقرير، لاستخراج الجواب بظاهر الحال، لا على طريق الاستفهام والاستعلام. إذ كان الله سبحانه قد علم امتلاءها قبل أن يظهر ذلك فيها. وإنما قال سبحانه هذا الكلام ليعلم الخلائق صحّة وعده، إذ يقول تعالى: لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩) [هود] . والوجه في قوله تعالى في الحكاية عن جهنم:

هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (٣٠) بمعنى لا من مزيد فيّ. وليس ذلك على طريق طلب الزيادة، وهذا معروف في الكلام.

ومثله قوله (ص) : «وهل ترك عقيل لنا من دار؟» «١» ، أي ما ترك لنا دارا.

وفي قوله سبحانه وتعالى:


(١) . قاله عليه الصلاة والسلام حين فتح مكة. فقد مضى الزبير بن العوام برايته حتّى ركّزها عند قبة رسول الله، وكان معه أم سلمة وميمونة رضي الله عنهما، وقيل: يا رسول الله! ألا تنزل منزلك من الشعب؟ فقال: وهل ترك لنا عقيل منزلا؟ وكان عقيل بن أبي طالب قد باع منزل رسول الله (ص) ومنزل إخوته. والرجال والنساء بمكّة.
فقيل: يا رسول الله! فانزل في بعض بيوت مكة في غير منازلك، فقال: لا أدخل البيوت! فلم يزل مضطربا بالحجون [وهو جبل بمكّة] لم يدخل بيتا، وكان يأتي المسجد من الحجون لكلّ صلاة. انظر الخبر في «إمتاع الأسماع» للمقريزي المؤرخ، ج ١ ص ٣٨١.