للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأَلَّا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا [طه: ٨٩] فارتفع الفعل بعد «أن لا» ، «١» ، لأنّ ( «أن» ) هذه مثقّلة في المعنى، ولكنها خفّفت، وجعل الاسم فيها مضمرا والدليل على ذلك، أنّ الاسم يحسن فيها والتثقيل. ألا ترى أنّك تقول:

«أفلا يرون أنّه لا يرجع إليهم» ، وتقول: «أنّهم لا يقدرون على شيء» و «أنّه لا تكون فتنة» . وقال تعالى آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ [آل عمران: ٤١ ومريم: ١٠] نصب، لأن هذا ليس في معنى المثقّل، إنّما هو آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ كما تقول: (آيتك أن تكلّم) ، وأدخلت «لا» للمعنى الذي أريد من النفي. ولو رفعت هذا، جاز على معنى آيتك أنّك لا تكلّم «٢» ، ولو نصب الاخر جاز على أن تجعلها «أن» الخفيفة التي تعمل في الأفعال «٣» .

ومثل ذلك قوله تعالى إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ (١٤) [الانشقاق] وقوله تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ (٢٥) [القيامة] . وقال إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ [الآية ٢٣٠] وتقول:

«علمت أن لا تكرّمني» و «حسبت أن لا تكرمني» . فهذا مثل ما ذكرت لك.

فإنّما صار «علمت» و «استيقنت» ما بعده رفع لأنّه واجب. فلمّا كان واجبا لم يحسن أن يكون بعده «أن» التي تعمل في الأفعال، لأنّ تلك إنّما تكون في غير الواجب، ألا ترى أنك تقول «أريد أن تأتيني» فلا يكون هذا إلّا لأمر لم يقع، وارتفع ما بعد الظن وما أشبهه لأنه مشاكل للعلم، لأنه يعلم بعض الشيء إذا كان يظنّه. وأما «خشيت أن لا تكرمني» فهذا لم يقع.

ففي مثل هذا تعمل أن الخفيفة، ولو رفعته على أمر قد استقرّ عندك، وعرفته، كأنّك جرّبته، فكان لا يكرمك، فقلت: «خشيت أن لا تكرمني» أي: خشيت أنّك لا تكرمني جاز.


(١) . أي إِلَّا.
(٢) . في معاني القرآن في آية آل عمران ١: ٢١٣، والمشكل ١: ٩٥ بلا نسبة، وفي البحر ٢: ٤٥٢ إلى ابن أبي عبلة، وفي الطّبري ١: ٣٨٧ لم ينسب قراءة. وفي آية مريم في البحر ٦: ١٧٦ إلى ابن أبي عبلة وزيد بن علي، وفي معاني القرآن ٢: ١٦٢ لم ينسب قراءة.
(٣) . النصب في آية آل عمران، في معاني القرآن ١: ٢١٣، والطّبري ٦: ٣٨٧، والمشكل ٩٥ بلا نسبة. والنصب في آية مريم في البحر ٦: ١٧٦ إلى الجمهور، وفي معاني القرآن ٢: ١٦٢ بلا نسبة، ولا إشارة ما إلى أنه قراءة. [.....]